هنري زغيب
Follow us on Facebook
Follow us on YouTube

733: قدرة اختراق

قدرة اختراق
السبت 3 آذار 2012
-733-

عندما يتناول الأديبُ (شاعراً أو كاتباً) أَيَّ موضوعٍ عامٍّ تتداوله وسائل الصحافة والإعلام أو أوساطُ الرأي العام، يَتَغَايَرُ عن الجميع بِـمقاربته الـمُميَّزة فتكون له قدرةُ اختراقٍ لا تُؤْتى لسائر مَن يقاربون.
قبل أيام صدر في جريدة “لو مونْدْ” مقال للأديب المغربي الطاهر بن جلُّون عن الرئيس السوري قاربه من زاوية جديدة: دخل إلى رأْسه بــــ”الخلع والكسر” مُـجتازاً “سبعة حواجز إلى قلعةٍ مشَدَّدَة الحراسة حذَراً وخوفاً، تَشَبُّهاً بوالده الرئيس الذي أمر يوماً بقتل حراسه لأنهم سمحوا لصديق طفولته بالوصول إليه من دون تفتيشه على الحواجز السبعة”.
بدخوله ذاك الرأس اكتشف بن جلُّون أنه “ذو دماغ ساكنٍ لا تَوتُّرَ فيه ولا ضغط، وقد يكون ذاك وراثياً أو انه تلقّى دروساً مسائيةً في القتل بدون اضطرابٍ من المآسي التي يسبّبُها”.
ويذكر بن جلُّون أنه أرهف سمعه فراح يصغي إلى أفكار الرئيس وينقل ما سمعه منها. وهنا اتَخذ باقي المقال صيغة المتكلِّم: “أَنا كامل التَّأَثُّر بوالدي الرئيس، المرهف المثقّف، المخطِّط الستراتيجي، الـمُعجَب بِـأفكار هنري كيسينجر. وهذه الأيام أستلهم أفكار والدي السياسية وأتلّقى توجيهاته فأتصرَّف على أَساسها. وهو نصحني، إذا ساءت الأحوال حولي، أن أعود إلى لبنان الذي لم يرضَ أبي ولا أنا راضٍ عن الطريقة التي بِـها خرج منه جيشنا سنة 2005. وحتى موت الحريري لَم يَـمْحُ الذلّ الذي كَبَّدَنا إياه هؤلاء اللبنانيون (…)”.
ويُكمل بن جلُّون كل المقال على هذا المنوال الساخر بصيغة المتكلّم.
ليس الأساس هنا موافقة الكاتب على رأيه أو معارضته.
الشاهد ليس المضمون الراهن الذي هو، أصلاً، في الشُّيوع العام صحافياً أو إعلامياً أو شعبياً، بل الدلالة الأدبية على موضوع سياسي يتم التداول والتجاذب فيه على منابر عالمية كبرى وفي أروقة الدول ذات القرار، تناوله كاتب وشاعر فانطلق به من الواقعي إلى الافتراضي في خيال روائي خصيب جعل مقاربته جديدةً مثيرةً تشُدّ قارئها إلى المتابعة.
الشاهد هنا هو الأسلوب الذي به نسَجَ الكاتب نصَّه فجاء لافتاً بِـجديده صياغةً وطريقة تعبير، ما لم يكن هكذا لو انه قارب الموضوع بالأُسلوب الأفقي أو السرديّ المباشر.
هذا لنعود دوماً إلى تكرار القول إن الفن (نثراً، شعراً، رسماً، موسيقى،…) ليس “ماذا” نقدِّم للمتلقّي بل “كيف” نقدِّم الـ”ماذا”، كي نكون أتينا جديداً.
بلى: عندما سيّدُ الكلمة الأديبُ يتناول موضوعاً عاماً، أياً يكن مضمونه، يَتَغَايَرُ عن سواه بِـمقاربةٍ مُـميَّزةٍ لها قدرةُ اختراقٍ لا تُؤْتى لسائر مَن يقارِبون.