هنري زغيب
Follow us on Facebook
Follow us on YouTube

حرف من كتاب- الحلقة 46
“سيدة القصر في لبنان”- پيار بُنْوى
الأحد 25 كانون الأول 2011

لا تزال سيرةُ الليدي إِسْتِر سْتِنْهوپ تُحيط بها أَلغازٌ يُحاول المؤرِّخون اكتشافَها جيلاً بعد جيل، هي الْكانت مِحور كُتُبٍ، أو مرَّت في ذكْر كُتُبٍ، كما “رحلةٌ إلى الشرق” الذي وصف فيه لامرتين الليدي إِسْتِر في قصرها يوم زارها في جون.
غير أن پيار بُنْوى، الذي عاش فترةً في لبنان وراح يستقصي عن تلك السيّدة/اللغز، طلع من استقصاءاته بروايته الشهيرة “سيدة القصر في لبنان” (La Châtelaine du Liban)، صدَرت في باريس سنة 1924، ولا تزال تستعاد طبعاتُها تباعاً، حتى دلّت الإحصاءات، عند مطلع هذا القرن، أنها بلغَت 675 ألف نسخة ، لتكون إحدى أكثر روايات بُنْوى انتشاراً.
مَتْنُ الرواية عن قصرٍ مهيبٍ، سيِّدتُهُ ذاتُ شخصية/لُغْزٍ يتقرَّب منها كبار الضباط عاشقين، بينهم الضابط الهجّان لوسيان دوميڤر المفصول إلى لبنان الْكان يومها تحت الانتداب الفرنسي. وإذ يُجرح الضابط الشاب في معركة مع البدو، يُنقل للمعالجة إلى مستشفى سان شارل في بيروت فيتعرّف بالممرضة ميشالّ وتَجْمع بينهما قصةُ حب عاصف، كَسَرَتْها علاقةٌ ربطَت الضابط الشاب بالسيّدة الإنكليزية آتِلْسْتَانّ أورلوف، أرملةِ دپلوماسي روسي، وسيدةِ قصرٍ مهيب في جنوب لبنان، لأجلها ضَحّى دوميڤر بِميشال وثروته وشرَفه. لكنّ سيدة القصر لم تبادل عشيقها الضابط الولَهَ الْمَجنون، ما أدى به إلى نهاية تاعسة.
حين سئل پيار بُنْوى لاحقاً عن نسْج روايته على شخصية الليدي إِسْتِر سْتِنْهوپ، أجاب أنه توقف عند اللغز في حياتِها، خصوصاً ناحية الصراع بين أجهزة المخابرات الفرنسية وأجهزة المخابرات البريطانية في لبنان، كانت الليدي إِسْتِر بطلته. فالسلطات الاستخباراتية الفرنسية كانت تدرك أن السيّدة تعمل لصالح المخابرات البريطانية وتستخدم وسائلَها السِّرِّيَّة والعلنيّة لخدمة الأجهزة البريطانية وتواصُلِها مع الثوار السوريين الدروز. وركّز بُنْوى على شخصية السيدة لأنه أُعجِبَ بها هو الآخَر، ولو انه لم يعرفها سوى في بداياتها حين كان يتردّد عليها سنة 1923. ولو عرفَها لاحقاً لَكَتَبَ روايةً أخرى پوليسية لأن السيدة كانت متعدّدة الوجوه والعمالة المخابراتية. لكن بُنْوى لم يُبرزها في روايته سوى سيدة قصر عاشقة رومانسية كثيرة المغامرات. وهي آلت إلى نهاية حزينة فماتت وحيدة في قصرها، بعدما كانت مُحاطَةً بعُشّاقٍ تناثروا أمامها كلٌّ بنهايةٍ مُختلفة.
رواية “سيدة القصر في لبنان” حملَت لكاتبها پيار بُنْوى شهرة واسعة، وانتقلَت إلى السينما في أفلامٍ ثلاثةٍ بالاسم ذاته “سيدة القصر في لبنان”، أوّلُها فيلم فرنسي صامت سنة 1926 (بعد صدور الرواية بسنتين)، والثاني ناطقٌ وبالأبيض والأسود سنة 1934، لكنّ أبرزها كان الفيلم الثالث سنة 1956 في إنتاج مشترك فرنسي إيطالي شارك في تمثيله، إلى جانب جولييت غريكو، عمر الشريف وكان في مطلع انطلاقته السينمائية العالَمية، بدور مهندس لبناني خبير في النّفط، لأن السيناريو تَحوَّر قليلاً ليجعل من دوميڤر مهندسَ پترول فرنسياً، ومن السيدة آتِلْسْتان أورلوف صاحبةَ أرض فيها بئر پترول، حتى إذا اكتشف المهندس اللبناني بئر أورانيوم مع النّفط، اختفى المهندس فجأةً في ظروفٍ غامضة قد تكون وراءها صاحبةُ الأرض.
بين أسفار پيار بُنْوَى، مراسِلاً جريدةَ “فرانس سوار” إلى دول عدة بينها تركيا وتونس وفلسطين، لعلّ إقامتَه في لبنان متردّداً على قصر جُون والسيّدة/اللغز الليدي إِسْتِر سْتِنْهوپ، كانت الأوفَـرَ غزارةً روائيةً لأنها اسْتَكْتَبَتْهُ إحدى أجمل رواياته المثيرة: “سيّدة القصر في لبنان”.