هنري زغيب
Follow us on Facebook
Follow us on YouTube

حرف من كتاب- الحلقة 44
“كسرُ الدائرة- الحروب الأهلية في لبنان”- مجموعة باحثين
الأحد 11 كانون الأول 2011

هذا الكتاب في الإنكليزية (Breaking the cycle: Civil wars in Lebanon)، يَجمع في 324 صفحةً قطعاً كبيراً نصوصَ مُحاضراتٍ ومُداخلاتٍ وتَعليقاتٍ شَكَّلَت مادةَ مؤتمرٍ دُوَلي دعا إليه “مركز الدراسات اللبنانية” بين 6 و8 حزيران 2006 في فندق البستان، شارك فيه أكاديميّون ومؤرّخون من لبنان والدول العربية وأوروپّا والولايات المتحدة فَتَحُوا صفحاتٍ من ماضي لبنان عن حروب داخلية من 1840 حتى 1990. و”مركز الدراسات اللبنانية” تأسّس في لندن سنة 1984، تَعاوُناً مع مركز الشرق الأوسط لدى كلية سانت أنتوني في أُكسفورد، ويرأْسه اليوم الاقتصادي اللبناني جورج عسيلي.
150 سنة من تاريخ لبنان الحديث، جَمَعَها هذا الكتاب بإشراف الباحث يوسف شويري (من جامعة مانشِسْتِر البريطانية). وهو في ثلاثة أقسام عالَجت جذورَ الوضع في لبنان، أمس واليوم، وبعضَ غدٍ، عبرةً تعكس ماضينا في حاضرنا، فَنُهَيِّئُ لِغَدِ أولادنا وطناً خالياً من العنف، مفتوحاً على حوار الحضارات والأديان والثقافات. وبِهذا الحوار يُنقذُ لبنان أجيالَه من أيّة عاصفة تُهدد أجياله الآتية.
القسم الأول من الكتاب: “الأُطُر التاريخية” عالَج فيه المحاضرون حركاتِ الانتفاضات والثورات في الماضي وتَرَدُّداتِها في الحاضر، وما كان للعنف في القرن التاسع عشر من تأثير مباشر على إفراز مُجتمعٍ راهنٍ مُعَرَّضٍ للحرب الأهلية، وكيف يُمكن رسْمُ خطٍّ بيانيٍّ واحدٍ لأسباب الحروب الأهلية وخلفياتِها ومُجرياتِها من 1861 إلى 1989، في ظاهرةٍ مشترَكة: غيابُ تَوَجُّهٍ سياسيٍّ مُوحَّدٍ للبنان، ظهورُ تشكيلاتٍ مذهبيةٍ متتاليةٍ تفرض الاعتراف بوجودِها وكياناتِها، تدخُّلُ قوىً خارجية مباشرةً أو عبر عملائها في الداخل، مع الإشارة إلى أنْ لَم تنتَهِ حربٌ أهليةٌ في لبنان بِمسعى من أطرافها المباشرين بل بوساطاتٍ ومفاوضاتٍ عناصرُها من خارج لبنان. كما عالَجَ هذا الفصل دورَ العنصر الطائفي في لبنان سبباً مباشِراً أو غيرَ مُباشِر لِحرب 1975-1990 وأثرَ النظام الطائفي على تأْجيجِ تلك الحرب وجعْلِ لبنان ساحةَ اقتتالٍ المتخاصمين على وسْع الشرق الوسط.
في القسم الثاني “ذكريات الحروب والغفران”، رأى الدارسون أن مَن سيكسر الحلقة المفرَغة منذ عقودٍ هُم مَن بين الخامسة والعشرين والخامسة والثلاثين، فئةً عمريةً تقاربُ الموضوعَ صافيةً من تراكُماتٍ سابقة أو شعورٍ بالثأْر أو بالانتقام أو بردود الفعل. وهنا توضح الباحثة ألكسندرا عسيلي أهمية أن يتولّى مَن هُم في هذه السنّ مسؤوليةَ الانفتاح على الآخر، وتغييرَ السلوك والتصرُّف ورسُوخ المعتقد الوطني، ما يساعدهم على اقتبال الغفران والرسوخ في الحب والسماح. ومن هنا يبدأُ الانطلاقُ إلى جعل الذاكرة واحةً للقبول لا للثأْر، مسافةً للبُعد الثقافي، ومساحةً للمساعدة على فهم متبادَل لكينونة الوطن.
في القسم الثالث “سياسات الإصلاح: برنامج للمستقبل” درَسَ المحاضرون فُرَصَ التغيير السياسي في لبنان، بين ظروفه وتَحدياته، بين الطائفية والوطنية، بين الاقتصاد وإعادة البناء، بين السلوك الرسمي والمجتمع المدني، وكيفية الدمج الايجابي بين الواقع الطائفي وضرورة وضْع خطّةٍ تربويةٍ وطنيةٍ جامعة، ببرامِجها ومناهجها ووسائط تدريسها والاعتياد على الديمقراطية منذ مقعد المدرسة.
ومع أن المؤتمر انعقد سنة 2006، نسَج فيه المحاضرون صورةً بين ربيع بيروت وشتاء المنطقة، فَصَدَقَ حَدْسُهُم بعد خمس سنوات، وأَزهر ربيعُ بيروت ربيعاً للعرب، يُشرقُ في دوَلِهم فجرَ الديمقرطية طالعاً من إرادة الشعوب على كسْر الدائرة والخروجِ من قعر البئر، وهو موضوع المؤتمر ومِحْوَر هذا الكتاب.