هنري زغيب
Follow us on Facebook
Follow us on YouTube

731: تمييز إيجابي؟

تمييز إيجابي؟
السبت 18 شباط 2012
-731-

في قرار أصدره مدير معهد العلوم السياسية في باريس، ألغى مادة الثقافة العامة من امتحان الدخول إلى المعهد بدءاً من 2013، والهدف: خلق “تمييز إيجابي” في امتحان الدخول إلى السنة الجامعية الأُولى(بعد النجاح في البكالوريا) باقتصاره على لقاءات شفوية مع اللجنة الفاحصة لـ”الحُكْم على شخصية الطالب لا على كمية معلوماتٍ مكدَّسةٍ في ذاكرته”. وتبقى للامتحان الكتابي ثلاث مسابقات في التاريخ واللغة وثالثة اختيارية، ويتضمّن الامتحان الشفوي فقرة تَكَلُّم بِلُغة أجنبية.
الدافع إلى هذا الإجراء، كما شرحه المدير لـ”الفيغارو”، أن نسبة الطلاب من الفئة الشعبية تدنّت في السنوات الأخيرة حتى بات الدخول إلى المعهد قصراً على فئة ميسورة من الطلاب. ولأجل ذلك أعلن المدير أن “مسابقة المعلومات العامة باتت غير ضرورية لاختصاص العلوم السياسية”، فـ”نحن لا نريد نُسَخاً لِحاملي معلومات بل نحتاج أفراداً ذوي شخصية واثقة قوية تستطيع لاحقاً أن تكون ساطعة في الحياة العامة والسياسية والنقابية. لذا ارتأينا أن المسابقة الخطية في معلومات الثقافة العامة أقلُّ أهمية من الوقوف أمام لجنة فاحصة والتكلُّم بِلُغةٍ أجنبية سيحتاجها حتماً في حياته المهنية خريجُ معهد العلوم السياسية”.
ويغتبط المدير بأن المعهد، في إجراءات تطويرية خلال السنوات الأخيرة، استقبل طلاباً من عائلات فقيرة وآخرين أجانب، وازدادت نسبة المنتسبين إليه أبناءِ العمال والموظفين من 3 في المئة سنة 1998 إلى 12 في المئة سنة 2011، ويأمل أن ترتفع هذه النسبة أكثر مع إلغاء مسابقة الثقافة العامة.
الإجراء أَثار لغطاً في بعض الأوساط التربوية: هل مادة الثقافة العامة قصراً على الطبقات الميسورة فقط؟ وهل وراء إلغاء هذه المادة من الامتحانات دافع اجتماعي اقتصادي فقط؟ وهل ذلك فعلاً “تَمييز إيجابي”؟
نفهم أن يكون الدافع الأساس إنماء التعليم الجامعي والإتاحة لطبقات اجتماعية مُختلفة دخول الجامعة. ولكن هل يكفي طالب العلوم السياسية أن يكون “ذا شخصية قوية” من دون “ثقافة عامة قوية”؟ وهل يجوز أن يتسلَّم لاحقاً منصباً رئاسياً أو وزارياً أو نيابياً أو إدارياً أو سياسياً، ولا يكون على إلْمامٍ بأفق ثقافي عام يواجهه في حياته المهنية أو السياسية؟
الثقافة العامة ليست مُجَرَّد “تكديس معلومات” والتَّخرُّج ليس نيل شهادة. فالشخصية القوية لا تقوى بذاتها بل بثقافةٍ عامة تَهِبُ صاحبَها زاداً لشخصيته وإلاّ انْحصَر في اختصاصه ضالعاً في شؤون السياسة المحلية وأُمِّيّاً في ما عداها، وهذا يورثُنا سياسيين أُمّيّين، و… ما أكثرهم!