هنري زغيب
Follow us on Facebook
Follow us on YouTube

730: … وفي وعيهم تراثٌ لبلادهم

… وفي وعيهم تراثٌ لبلادهم
السبت 11 شباط 2012
-730-

في المناهج المدرسية “أَنشطةٌ لاصَفِّيَّة” يفرضها البرنامج على المدراء والمنسّقين والمعلمين ليُخرجوا تلامذتهم من غرفة الصف إلى مواقعَ متّصلةٍ بالمنهاج أو مواضيعه أو أعلامه، إتاحةً للتلامذة كي “يعاينوا” ميدانياً ما يُطالعونه في الكتاب، أَو يَسمعونه من الشرح، أَو يرَونه على اللوح.
بين أبرز ما يُمكن أن “يعاينوه”: متاحف عامة وشخصية وخاصة لأعلام ومعالِم، فلا يظلّ الاسم أَمامهم صورةً في كتاب، أو نصاً للقراءة، أو قصيدةً للحفْظ. ولأنّ العين تلتقط للذاكرة أكثرَ من السمْع المسطَّح أو القراءة الأُفقية، تساعدُ زيارةُ المتحف على ترسيخ الْمَعْلَم في ذاكرتهم، ما يُقَرِّب منهم فهمَ الموضوع أو النص أو صاحب النص. وهو نشاطٌ “لاصَفِّيٌّ” غير مُكْلِفٍ لأن معظمه مَجّانِيّ، والمواقع مفتوحٌ معظمُها للزوّار.
ليس أكثر انطباعاً في بصيرة التلامذة من زيارتهم المتحف الوطني يرافقهم دليلٌ شارحاً لهم تواريخ النواويس والأنصاب والتماثيل والذخائر وكنوزٍ حاملةٍ حيةً مراحلَ من تاريخنا ما لا تفيه صورةٌ لها على صفحة الكتاب، أو مقاطع عنها في نص القراءة.
بالفائدة نفسها ترفدهم زيارة متحف جبران في بشري، أو أمين الريحاني في الفريكة، أو الياس أبو شبكة في زوق مكايل، أو مارون عبود في عين كفاع، أو ميشال أبو جودة في الزلقا، أو قيصر الجميل في القيصرية (قرب بكفيا)، أو البصابصة في راشانا، أو حسن كامل الصبّاح في النبطية، أو متحف الصابون في صيدا وطرابلس، أو المتحف الألماني في هياكل بعلبك، أو متحف التاريخ القديم في الجامعة اليسوعية، أو متحف الجامعة الأميركية أو جامعة سيدة اللويزة، ومعالم كثيرة سواها في مراكز وجامعات ومناطق، تكون فائدةً مضافةً إلى ذاكرة أولادنا على خارطة الوطن من طرابلس إلى قانا، ومن جبيل إلى صُور، ومن بيروت إلى كلّ منطقة في لبنان تَنطُق معالِمها الدينية أو التاريخية بعطيّة طبيعية أو بشرية يضمُّها متحفٌ وطني أو خاصّ أو شخصيّ، كنيسةٌ أو مسجد، هيكلٌ أو قلعة، بيتٌ أو مَزار، مُحترَفٌ أو مَعرض، ليكونَ المكانُ زماناً للذاكرة لا تَمحوه الأيام، فيكبَر أولادنا وفي وعيهم تراثٌ لبلادهم يَجعلهم يُحافظون عليه وعليها.
صحيحٌ أن المتحف مكان جامد لا حياة فيه، لكنه يُصبح أكثرَ جُمُوداً وأَعمقَ موتاً حين يُمسي مهجوراً ومُسَوَّراً بعنكبوت النسيان، بينما الزيارات إليه تُحييه وتَحيا به إذ تَجعل الذاكرة حَبَّةَ الندى التي تُنعش الزهرة في الصباح، لكنها أيضاً تعيش نداوتَها طويلاً فلا تعود عرضةً للجفاف في حرارة الشمس.