هنري زغيب
Follow us on Facebook
Follow us on YouTube

713: في لبنانيّة عمر فاخوري

في لبنانيّة عمر فاخوري
السبت 1 تشرين الأول 2011
-713-

بعد فؤاد سليمان (“أَزرار” 712 – السبت الماضي) أَغوصُ هذه الأَيام على كُتُب عمر فاخوري، الكبير الذي يغرق اليوم في أمسٍ كثيفٍ لأن الوسطَ الأدبي اللبناني اغترَبَ، في معظمه، عن لبنانيّته ذات الجذور.
وأياً تكُن ميولُ دارسيه في إظهار اتّجاه عمَر السياسي أو القومي، يَهمُّني منه أنه كان لبنانياً قبلهما، نافحَ عن دور لبنان في وعيه العالي بأن لبنان رائدٌ سبّاقٌ أدباً وحضارةً، وبعدها فلْيتَّجه كيفما اتفق له. لبنانيَّتُه ظلّت عنوانه الأَسمى إلى كلّ ما تلا.
أَفتحُ كتابَه “لا هوادة” (منشورات مجلة “الأديب”-1942) وأقرأ: “سَيَظَلُّ لبنان حيثُ هو، وحيثُ كان من الطبيعة ومن التاريخ، صلةَ وصْلٍ بين الشرق والغرب اللذين يلتقيان فيه. ثقافةُ لبنان هي المُثلى، ورسالته في الدنيا هي الفضلى: ثقافةُ تَمازُجٍ ورسالةُ تَوَاصل. وأكرمُ ما يُصدِّر لبنان: أبناؤُه في النواحي الأربع من الأرض، بُناةُ المدُن والسفُن، المخاطرون غير المغامرين، المثقَّفون طبعاً وتطبُّعاً، المحافظون في غير تزمُّت، المجدِّدون دون تعسُّف، مُخترعو الأبجدية قديماً وحاضِنو العربية حديثاً. هؤلاء هم أبناءُ لبنان السُّمْرُ الميامين، حاملو رسالته الثقافية في العالم”.
هكذا اعتزّ عمر فاخوري برسالة لبنان وجعَلَها تاجاً على هامات البلدان في كلّ صقْع ضمّ لبنانيين.
وأَفتَحُ كتابه “الحقيقة اللبنانية” (“دار المكشوف”-1944) فأقرأ: “للبنانَ خصوصيةٌ لا يُنازعه فيها مُنازعٌ، يصُحُّ أن أُسَمّيها “الإشعاع اللبناني”، مزيّة عُرِفَ بها لبنان من أقدم عهوده التاريخية، حتّى يصعُبَ معها الإدعاء بأن لبنان منحصِرٌ ضمن حدوده الجغرافية. فالأبجدية هي من الإشعاع اللبناني، وفي هذا الإشعاع مادةٌ سخيّةٌ تغتذي منها بالهجرة كلُّ بقعةٍ من بِقاع الأرض، حتى ليُمكن القول إن لبنان شبكةٌ مطروحةٌ على العالم تنظّم أجزاءه، بل ثمّة لبنانان لا لبنان واحد: لبنان المقيم الرابض بين تُخومه، ولبنانُ المهاجر الموزَّع في الدنيا. وهذا ما يَجعل الحدثَ اللبناني حدثاً عالَمياً يدينُ لبنان به لنفسه في الدرجة الأولى”.
هذا بعضُ ما نَضَحَ من لبنانيّة عمر فاخوري، الناقدِ الفصْل بين أترابه الكبار، الميزان في عصره والمعيار: مَن قال فيه عُمَر سَرى قولُه فيه وساماً له، أو لفتةَ تنبيه.
وَدِدتُ لو أَنكفئُ عن تَحيّةٍ، فأترك له المساحةَ وأنسحب.
إنه من رعيلٍ مباركٍ وَسَمَ النصفَ الأول من القرن الماضي بنتاجٍ جَعَلَ لبنانَ في صدارةِ الشرق، ومبدعيه في نضارة أترابِهم، حتى غدَت بيروتُ عاصمةَ الأدب.
ما أَحوجَنا اليوم إلى أَرغفةٍ من معجَن ذاك الرعيل.