هنري زغيب
Follow us on Facebook
Follow us on YouTube

1034: استقال وزير الطاقة

الحلقة 1034: استقال وزير الطاقة
الأربعاء 8 شباط 2012

استقال وزير الطاقة…
فجأةً صدَر الخبر وتداوَلَتْهُ الصُّحُف ووكالاتُ الأنباء: استقال وزير الطاقة.
وعن “وول ستريت جورنال” أنّ وزير الطاقة البريطاني كريس هانّ سيواجه المحكمة نهار الخميس المقبل (16 الجاري) بتهمة تضليل المحكمة حول مَحضر ضبطٍ يعود إلى أيار 2003 يوم سطَّر الشرطيُّ بِحقِّه مَحضر ضبط سرعة في أحد شوارع لندن، فكَذِبَ وادّعى بأنّ زوجتَه يومها ڤيكي پرايس هي التي كانت تقود السيارة، وتواطأت معه زوجته موافقةً على شهادته. وذكرَت وكالة “فرانس پْرِس” أن تَحقيقاتٍ دقيقةً على الطريقة البريطانية بَيَّنَتْ أنّ كريس كان السائق، وأَنّ ڤيكي يومها- وهو طلَّقها لاحقاً – كَذِبَت في إفادتها، وتالياً ستواجه معه حُكْماً يتراوح بين دفع غرامةٍ مالية مرتفعة، أو السِّجن ثلاثة أشهر.
وأعلن كريس هانّ أنه استقال من منصبه وزيراً للطاقة كي لا يدخل أمام القاضي وزيراً بل مواطناً عادياً، وتَمَنّى رئيس الوزراء البريطاني ديڤيد كاميرون أن يعود وزير الطاقة إلى حقيبته الوزارية بعد تبرئته إذا بَرَّأَتْه المحكمة، أو بعد قضاء عقوبته إنْ حكمَت عليه بالسِّجن.
الشاهد من كلّ هذا: احترامُ وزير الطاقة هيبةَ العدالة، واحترامُه قانونَ بلاده، واحترامُه شعبَ بلاده. وهو انصاع لقرار المحكمة وسيحاول إثباتَ أنه لم يكذب، وأنه يحترم القرار الذي يصدر عن المحكمة، ولن يحاول الكَذِبَ مرةً أخرى ولا تضليلَ المحكمة ولا اختلاقَ الحجج ولا البَهْوَرَة بالصوت العالي هو العضو البارز في الحزب الليبرالي الديمقراطي.
ومع أن التّهمة ليست سوى مُخالفةٍ بسيطةٍ قانونَ السير بالسرعة الزائدة، فسوف يساق وزير الطاقة إلى المحكمة مواطناً عادياً، لا حصانةَ تَحميه، ولا حزبَ يُعفيه، ولا وساطةَ تعصمه، ولا نَسَبَ مَحسوباً على أيٍّ كان في الحكْم أو خارج الحكْم يُغَطّي فِعْلَتَه وينقذه من مواجهة المحكمة.
وكان لافتاً تصريحُه للصحافيين عند إعلان النبأ، بأنه يستقيل من منصبه الوزاري كي لا يَمْثُلَ في قفص الاتهام وزيراً للطاقة، وكي لا يُؤَثِّرَ منصبه الحكومي على استجوابه أو على قرار المحكمة.
نعم: هذه بلادٌ يَحترم المسؤولون فيها هيبةَ الحكْم، فلا أحدَ منهم فوق القانون، ولا أحدَ يتبهْوَر على القضاء، ولا أحدَ يتحصَّن في موقعه ليُطْلِقَ منه رشَقاتٍ يُمنةً ويسرةً من دون وازع ولا ضابط ولا ارتداع.
وزيرٌ للطاقة يواجه تُهمةَ السرعة قبل تسع سنوات، ويَمْثُلُ الأُسبوع المقبل أمام القاضي كأَيِّ مواطن، لأن وزارة الطاقة ليست مُلْكاً له كي يتمسَّك بها ويَتَحَصَّن فيها دافعاً عنه الاتهام، ولأن القانونَ فوق الوزير والحقيبة والحزب، ولأن المنصبَ الحكوميَّ خدمةُ الشعب للمصالح العامة لا استخدام الشعب للمصالح الخاصة والشخصية والكيدية، ولأن الوزير المسؤول في بلاد القانون يعملُ للأجيال المقبلة لا لانتخاباته المقبلة. وهنا الفارقُ بين رجل السياسة ورجل الدولة.
وتأكيداً على هذا الفارق استقالَ وزيرُ الطاقة لينصاعَ إلى حُكْم القضاء الذي لا يُميِّز بين وزيرٍ ومواطن، لأنه يَحكُمُ بالعَدْل الذي بِدُونه لا يكونُ للدولة حُكْمٌ ولا هيبةٌ ولا سُلْطَةٌ حازِمَة.