هنري زغيب
Follow us on Facebook
Follow us on YouTube

1030: حين تدُقُّ الساعة السويسرية

الحلقة 1030: حين تَدُقُّ الساعة السويسرية
الأربعاء 11 كانون الثاني 2012

عن جريدة “لاكْرْوَى” الفرنسية، أمس الأوّل الاثنين، أنّ حاكم المصرف المركزي السويسري فيليپ هيلدُبْران مضبوطٌ بفضيحةٍ ماليةٍ لكونه، وفْق الصحافة السويسرية، أجرى وزوجتَه عمليةً في سوق القطع اعتبرَها المسؤولون غير شرعية.
وفي التفصيل أنّ الحاكم وزوجتَه اشتريا من السوق 500 ألف دولار في 15 آب 2011، قبل ثلاثة أسابيع من تدارُك المصرف المركزي السويسري ارتفاعَ سعْرِ صرف الفرنك السويسري مقابل اليورو. وهي عملية أكسبت الحاكم وزوجته 75 ألف فرنك سويسري ما عادل يومها 62 ألف أورو.
هذه المعلومة نشَرَتْها صحيفة سويسرية في 23 كانون الأول الماضي مستَقِيَةً إياها من بيان لِحسابات الحاكم، مستدركةً يومها بأنها قد تكون إشاعة “غير مثْبَتَة”. سوى أن تلك الإشاعة “غير المثْبَتَة” عادت فظهرت الأحد الماضي مُثْبَتَةً في صحف سويسرية أكّدَتْها على لسان كريستوف بلوخِر (القيادي في حزب الوسط المحافظ والخصم العنيد لحاكم المصرف المركزي). وهو حصل على البيان من موظفٍ في مصرف خاص اختلس الوثائق المالية لعائلة الحاكم. وعند انتشار الخبر صَرَف المصرفُ الخاص موظَّفَه بتُهمة إفشاء السرّيّة المصرفية، كما رفعت حكومةُ كانتون زوريخ دعوى جزائية ضد ذاك الموظف.
حاكم المصرف المركزي يُصِرّ على أنه قام بتلك العملية وحده دون زوجته، وأنها عملية شرعية لا لُبْسَ فيها ولا استغلالَ لِمنصبه. غير أن الصحافة السويسرية أَصرّت على اتّهامه بالمضاربة في سوق البورصة الدولي، وكَشَفَت أنه أجرى عمليةً مُماثلةً في آذار 2011 واشترى مليون فرنك سويسري بسعرٍ منخفضٍ قبل ارتفاع سعر صرف الفرنك.
حكومة الاتحاد السويسري فتحَت تحقيقاً في الأمر، وقد تطلب حاكم المصرف المركزي إلى المساءلة، فيما تَعِدُ الصحافة السويسرية بنشْر فضائح مرتقَبَةً أُخرى للحاكم. وحين تكون الصحافة في الدولة حُرَّةً غير مرتَهَنةٍ لأحد، وليسَت بُوقاً صحافياً أو إعلامياً سياسياً لزعيم سياسي، تفضَح من يقعُ في الخطأ، ولا تَهابُ من توجيه تُهمةٍ إلى مسؤولٍ في الدولة مهما علا شأْنُه.
الشاهد من هذا الحدَث أن الدولةَ المنظَّمةَ الحازمةَ الحاسمةَ العادلةَ الواعيةَ المراقِبَةَ المتابِعَة، تكافئُ مَن يُجلّي، وتُحاسِبُ مَن يُخطئ، حتى ولو كان هذا الأخير موظَّفاً أوَّلَ في رتبةٍ رفيعةٍ ومسؤوليةٍ عالية.
هكذا تكون الدولة المنظَّمَةُ دقيقةً دقَّةَ الساعة السويسرية، دولةً لا مَحسوبيات فيها ولا أزلاميات ولا زبائنيات ولا عشائريةَ أو مَزْرَعيةَ أو قَبائليةَ، ولا زعيم سياسياً يُعيِّن وزيراً ويَحميه، أو يُصِرُّ على موظَّفٍ يفرضُه في تعييناتٍ إدارية ويغطّيه، وليس فيها مسؤولٌ فوق رأسه خيمة تقيه الفضيحة أو المحاسبة.
في فترةٍ سابقةٍ كان لبنان يُنعتُ بـ”سويسرا الشرق”. غير أن التشبُّه بسويسرا يَفترضُ عناصرَ أَوَّليةً بدائيةً بديهيةً، في طليعتها المحاسبةُ والمساءلة، وفي أَركانها أَلاّ يتلاعب مسؤولٌ فيها بالمال العام، أو يَتهاوَنَ مع القِيَم، أو يُطيحَ الولاءَ لِهَيْبَة الدولة ومَصلحة المواطنين.