هنري زغيب
Follow us on Facebook
Follow us on YouTube

704: هل لبنان، في “دقّ الورق” عِدّان؟

هل لبنان، في “دقّ الورق”، عِـدّان*؟
السبت 30 تموز 2011
– 704 –

خاتِمةُ “مهرجانات بيبلوس الدولية” هذا الصيف بالعرض الكلاسيكي الأوپرالي “الألغاز الغنائية” (Les Mystères Lyriques)، أخذَتْنا إلى إسقاطٍ مباشَر على الوضع السياسي اللبناني الراهن.
فإطار هذا العمل العالميّ يَتَمحور في العالم السّحري لأوراق الحظ، في خيطٍ دراميٍّ متصاعدٍ ساخرٍ يلامس الأوپرا الهزلية، بلعبةٍ تَجري داخل قصر يقيم فيه صاحبه حفلةً أراد أن يسلّي مدعوّيه إليها فيقترح عليهم أن يشتركوا جميعاً في لعبة أوراق الحظ، وأن يختار كلٌّ منهم ورقة يطلب وَفْق صورتِها عملاً كلاسيكياً أوپرالياً يرغب في سماعه. ويروح المدعوون يطلبون الاستماع إلى مقطوعات موسيقية أوپرالية من موزار وهاندِل وأوفنباخ وراڤيل، وكلُّ واحدة منها تُشكّل عالَماً مُختلفاً، تؤديها السوپرانو والكونترتينور والتينور والباريتون في جـوٍّ من المرح والفرح والهزل والسخرية، مع أن الأعمال المغنّاة تعالج مواضيع جادّةً كالحقد والعدالة والحب والانفعالات، لكنها، في مَجموعها، مدخلٌ إلى تَذَوُّق الفن الأوپرالي العالي عبر مقطوعاتٍ تَمُرّ جميعُها في جوّ من الأوپرا الهازلة الضاحكة “البوفّونية”، خصوصاً في أعمال أوفنباخ سيّد هذا النوع الأوپرالي الساخر.
هنا الإسقاط على الوضع اللبناني الحالي الذي هو تماماً على صورة أوراق الحظ في “الألغاز الغنائية”. ذلك أن اللبنانيين اليوم يعيشون حياتهم اليومية قلقين في حالة انتظارِ ما سيأتي، كما في لعبة الحظ التي قررت مصيرَهم وخياراتهم وتأخذهم إلى حيثُما يقودُهم قدَرٌ لَم يَختاروه بإرادتهم ولا برضاهُم، فاختارتْه لهم ورقة الحظ، وها هم يرزحون تحت هذا الحظ، في وضعٍ سياسي قلِقٍ مضطربٍ مقلقٍ يضعهم أمام مصير مَجهول، كأيِّ قدَرٍ، كأيِّ حظّ، يسوسه أَولياءُ أَمْرٍ تَوَلَّوهُ في اتّجاه واحدٍ لا أجمع عليه الشعب ولا ارتضاه، وها هم يُسَيِّرون الدولةَ كلَّها والوطن كلَّه والمصير كلَّه نَحو هذا الاتجاه الواحد.
المواطن اللبناني المتنوّر الذي قادته إلى مصيره ورقة حظّ لا يد له فيه، سُحِبَت له وعنه وباسمه ولم يشأْها، يعيش اليوم في مناخٍ من “أوپرا” حكومية قوامُها تصاريحُ قادتِها الحادّة، وَوُعودُهُم الدونكيشوتية الجادّة، وتضارُب المواقف ضمن صفّهم الواحد، حتى ليتساءل هذا المواطن إن لم يكن ما يعيشه هذه الأيام ليس سوى أوپرا هازلة ساخرة لا تنتهي بالضحك من كوميدياها، بل بغصَّةٍ جادّةٍ تَجعلُه أمام مصير وطنه يشعر أنّه يعيش حالة درامية مأساوية تُضحِكه قهراً وألَماً ومرارةً وسخريةً من مُمثِّليها الذين يذكِّرون بأنّ… “شرّ البَليَّة ما يُضحك”.
_______________________________________________
*) “العدّان” في اللبنانية: الدَّوْر الواحد في لعبة.