هنري زغيب
Follow us on Facebook
Follow us on YouTube

703: هذه المجانية في تعابير السياسيين

هذه المجانية في تعابير السياسيين
السبت 23 تموز 2011
– 703 –

يسأل صحافي أجنبي: ما معنى كلام هذا السياسي: “أنا أعمل لكل لبنان”؟
ويسأل سائح أجنبي: ما معنى أن يقول ذاك السياسي: “جيش لبنان هو لكل لبنان”؟
ويسأل زائر أجنبي: ما معنى ما يردِّده بعضُ سياسييكم: “لبنان بلد نهائي لكل اللبنانيين”؟
ويسأل رجل أعمال أجنبي: ما معنى أن يقول هذا الوزير “أنا لست لـ8 ولا لـ14. أنا جئتُ لأخدم كل لبناني”؟
ويسأل سياسي أجنبي: ما معنى أن يقول هذا المسؤول عندكم “سنختار للتعيينات كلَّ مَن هو نظيفُ الكف”؟
ليس غريباً أن يسأل هؤلاء تلك الأسئلة التي يرونها بديهيةً لا حاجة إلى تأكيدها في بناء الدولة أو في قيادة المجتمع أو في سياسة الوطن.
فلا فرنسيّ يفهم أن يقول سياسي إن “فرنسا بلد نهائي لجميع الفرنسيين”، فهذا بديهيٌّ لا حاجة لذكْره.
ولا أميركيّ يفهم أن يقول مسؤول جمهوري إنه “لا يَخدم المواطنين الجمهوريين فقط بل الديمقراطيين أيضاً”، فهذا بديهي ولا ضرورة للتمنين به.
ولا ألماني يفهم أن يقول قائد إن “جيش ألمانيا هو لكل ألمانيا”، فهذا طبيعي حتى السذاجة أن يقال.
ولا سويسري يفهم أن يقول رئيس الكانتون الحاكم إنه “يعمل لكل سويسرا لا للكانتون الذي هو منه”، فهذا واضح ولا يحتاج أن يؤكّد الحاكم عليه.
ولا إسپاني يفهم أن يقول رئيس وزرائه إنه سيكون “عادلاً في التعاطي مع المعارضة والموالاة”، فالديمقراطية سياق سائر تلقائياً، وأعرافُهُ ليست في حاجة دائماً إلى فحص دم.
ولا سويدي يفهم أن يباهي مسؤول كبير بأنه سيعيّن في هذه الوظيفة أو تلك “مَن هو نظيف الكفّ مستقيمٌ شريف”، لأن هذا تلقائي ولا ضرورة للتذكير به، فالموظف العامّ في خدمة المواطنين جميعاً، وحين لا يعود نظيف الكفّ تلاحقه المراقبة وتُحاسبه وتُحاكمه وتُقِيله.
مهزلَةٌ بشعةٌ هذه المجّانية عندنا في القاموس السياسي. كأنما مذنب يبدأ حديثه بالقَسَم أنه ليس مذْنباً قبل أن يتّهمه أحد بالذنْب.
تأكيدُ المؤكَّد والبديهي، دلالةٌ على خللٍ ما، في مكانٍ ما، في نيَّةٍ ما، أو في حالةٍ عامةٍ فاسدةٍ تستوجب التذكير بالمؤكّد والبديهي لنَفْيِهِما قبل وقوعِهما، كما ليقين القائل أنهما واقعان وسيسعى إلى تَجَنُّبِهما.
إن وطناً يرى مسؤوليه يؤكّدون مع كلّ طلعة شمس أنه “وطن نهائي لجميع أبنائه”، ليس هو المسؤول عن انْحطاط أخلاقه السياسية، بل تصرُّفُ سياسيين فيه نكّلوا به حتى جعلوه، زوراً لا واقعاً، موضعَ شكٍّ خطيرٍ، همُ المسؤولون عنه، لا الوطنُ الذي يظلّ أبقى منهم، وأرقى، وأنقى.