هنري زغيب
Follow us on Facebook
Follow us on YouTube

698: للدولة… رجلُ الدولة

للدولة… رَجُلُ الدولة
السبت 18 حزيران 2011
– 698 –

بين أن يقود الدولةَ رجلُ السياسةِ وَفْقَ مصالِحِه
وأن يقود سياستَها رجُل الدولة وفق مصالحها،
يَجمُلُ البحثُ في هذا الأخير
لأن الدولة الركينة تقوم على الثوابت العليا لا على المتغيِّرات الآنية.
وما ثوابتُه، هذا الأخير؟
في طليعتها أن يتولّى السُلطة العليا
بإجْماع الشعب على ثقةٍ به نابعةٍ من تَجربته وجدارته،
لا من وُعُودِه السياسية ومواقفِه المتقلِّبة،
بل من قوة إقناعٍ لديه ببقائه ثابتَ المواقف،
ومن مزايا أخلاقية ومهنية وفكرية تَجعله رجل أفعالٍ أثبتَت جدواها لا رجل أقوال أثبتَت هوائيّتها.
وبذلك يُثبِتُ أنه رجل المصلحة العُليا
لا مصالِح آنية أو كيدية أو عائلية (مثالٌ من التاريخ: الكاردينال ريشليو منقذ فرنسا في حرب الثلاثين سنة). والمصلحة العليا تقتضي حماية مصالح بلاده الستراتيجية والجيوسياسية والاقتصادية والاجتماعية معاً
(مثال ساطع: موقف فرنكلين روزفلت وقراره بدخول أميركا الحرب ضد هتلر في الحرب العالمية الثانية).
وفي طليعة مزاياه ثلاث: الشجاعة والحوار والإقناع،
دون لجوءٍ إلى أَيِّ شكلٍ من العنف أو التهديد،
فيقوى على ضغوط تواجهه داخلياً في بلاده،
أو خارجياً من قوى جيوسياسية.
وبإجماع شعبه عليه يقاوم جميع هذه الضغوط (من هنا عبارة ساركوزي الشهيرة: “معاً نقهر المستحيل”).
وعلى رجل الدولة أن يكون مالكاً قرارَه وإرادَتَه
لا خاضعاً أو تابعاً أو منفِّذاً إرادة أحد أو جهة أو نظام،
وألاّ يتَّكل على الإرادة السياسية فقط
أو على إيهام الشعب بأن للسياسة وحدها قدرةً تغييرية،
بل يأخذ الوقت اللازم لِحلّ الأُمور
في رويّةٍ وحكمةٍ وتَبَصُّر،
وفي مثابرة دؤوبٍ دون فقدان الثقة أو الصبر أو الأعصاب،
ودون التقليل من مقاومة الواقع الصعب.
هاتان الشجاعة والإرادة ترفدان رجل الدولة بِخبرة ناضجة تقيه الانفعال والتوتُّر،
وتُكرّسه قائداً من شعبه على ذاته لا من ذاته على شعبه.
من هنا مقولة الرئيس الأميركي نيكسون: “رجُلُ السياسة يتْبَعُ الشعب، أما رجل الدولة فالشّعب يَتْبَعُه”.
ومن صفاته:
صفاءٌ في معالجة الشؤون الاقتصادية والاجتماعية والجيوسياسية
كما يعرفها في صفوف شعبه لا كما تفرضها عليه ارتباطاته السياسية،
فيبقى مثالياً في تصرُّفاته ومواقفه،
يُذيب مصالحه الشخصية في مصلحة الدولة،
ويقدّم همومَ شعبه على همومه.
علامةٌ أخيرة:
ألاّ يَحكم إلاّ ولايةً واحدة وينسحب،
لا تجديدَ ولا تمديد،
فيظلُّ حاضراً بعد انسحابه،
ويبقى حضورُه ناصعاً في ذاكرة شعبه ووطنه.
ولكنّ هذه “موهبةٌ” لا تُعطى لجميع الحكّام.