هنري زغيب
Follow us on Facebook
Follow us on YouTube

695: الفنّ لعبٌ بالجمال

الفَنّ لعبٌ بالجمال
السبت 28 أيار 2011
– 695 –

يوم طلبتُ من المفكِّر الفلسفي الأب إتيان صقر أن يشاركَ في احتفال كنت أُهيِّئُه لذكرى الياس أبو شبكة (القصر البلدي – زوق مكايل)، سَمّى مداخلته “أبو شبكة شَاعِرٌ لاهٍ”.
فاجأني العنوان فشرح لي، من وُجهته الفلسفية، أنّ الفنّ في سياقه العريض “لَهْوٌ بالجمال”.
ومع الوقت أخذَت تترسَّخ بي قناعةُ أنّ “الفن لعِبٌ بالجمال”، من أَيِّ مَنبعٍ جاء، وإلى أَيِّ مَصَبٍّ يَؤُول، وصوُلاً إلى الإبداع، إلى استيلادٍ في الخلْقِ جَديد.
ولعلّ هذا ما حدا بأبي حيّان التوحيدي (ق 4 هـ.) إلى جمع مُسامراته سبعاً وثلاثين ليلة في منادمة الوزير أبي عبد الله العارض وتسمية كتابه “الإمتاع والمؤانسة” (374هـ.)،
أو بِمؤَرّخي “ألف ليلة وليلة” أن يعتبروه “شَكَّلَ مُخيِّلةَ العرب”.
وهو ما كان يرمي إليه المأمون في جمعه العلماء والأدباء في بلاطه يتناقشون أمامه في كل مُمتع مفيد،
وما رمى إليه أبو الفرج الأصفهاني في مقدمة “أغانيه” إذ يشير إلى قصص في الكتاب لن يرويها مفصَّلة لأنها “مُضْجِرة”. فالإمتاع شرطٌ لنقْلِ الإِبداع.
سوى أنّ التعاطي مع الجمال، لَهْواً إلى الإبداع، يفترض تَوَخِّي البساطة الموحية لا التعقيد المنفِّر، ويعتمد الثقافة لا الثقافوية (الأُولى مضمونيةٌ فيها إفادة مباشرة، والأخيرة تنظيرية فيها أُلعبانيّات لغوية وتشاوُفات معرفية).
من هنا ضرورةُ إيصال المعلومة أو الفكرة أو الرأي، بأُسلوبٍ سائغٍ مُمْتِعٍ تَخييليّ، يُفسح للقارئ في التخيُّل.
فشرط الكتابة الإبداعية إضافةُ فُسحةٍ من الخيال الجمالي لدى المتلقّي بتوسيع مداه التخييلي، مع مُحافظة النَّص على لذّة قراءته (أو سماعه) في أن يُفيد ويُسلّي (التسلية هنا بمعنى اللهو في المتعة الجمالية).
وهو ما يَحصل غالباً في دنيا الأدب حين يصبح الإيهام إمتاعاً، في الرواية والقصة كما في المسرح والشعر.
وكم من الشعراء توسَّلوا الإيهام ليقدّموا حالة يريدونَ إظهارَها مَعيوشةً وهي ليست كذلك، ما إلاّ لِخلْق “حالةٍ” لدى المتلقّي تَجعله يتناولُها ويَبني عليها، فيُصَدِّق القارئ ويَهنأُ الشاعر إلى نَجاح “إيهامه”.
وعلى الإمتاع في الأدب أن يُرادفَه امتلاكُ اللغة.
من لا يَمتلك أدوات لغته لا يُمكنه اللعب الجمالي بها لبلوغ “اللهو الإبداعي”، بكتابةٍ هي بنْتُ العصر في لغة العصر (لم تعُد اليوم مألوفة عبارات مثل “غبار المعركة”).
هكذا يكون الأدب (شِعرُهُ والنَّثر) كَنْزَ الناثر والشاعر حين تكونُ فيه متعةٌ ذاتُ فائدة،
فَتَتَزاوجُ حاجةُ المتلقِّي إلى المطالعة مع مُشاركتِه المبدعَ في الـ”لَهْو” حين هذا اللهْوُ إطلالةٌ على أُفق الإبداع الجميل.