هنري زغيب
Follow us on Facebook
Follow us on YouTube

1001: وطنٌ حقيقيٌّ؟ أم وطنٌ سراب؟

الحلقة 1001: وطنٌ حقيقيٌّ؟ أم وطنٌ سراب؟
الأربعاء 22 حزيران 2011

بعدما بات المواطنون، معظَمُهم، مصنَّفين إلى فئتين،
وبعدما باتَ الكلامُ تَمَوْضُعاً، واللونُ تَمَوْقُعاً، والمكانُ تَمَوْسُعاً،
فإمّا هنا وإمّا هناك، إمّا معنا وإمّا ضدّنا، إمّا لنا وإمّا لَهُم، إمّا من هذا الفريق وإمّا من ذاك،
وبعدما باتت وُجْهة النَّظر معاكِسَةً وجهةَ النظر المقابِلة، فلا التقاءَ في نقطة وُسطى بينهما،
وبعدما كلُّ فريق من تينِك الفئتَين يرى الوطن من منظارِه هو المضادِّ منظارَ الفئة الأخرى،
وبعدما انقسم الشعب عَمودياً وأفقياً بين هذا السياسيّ أو ذاك،
وكلاهُما من مجلس نواب واحد أو مجلس وزراء واحد،
يتساءل المتبصِّرُ الأُمورَ:
هل أَنا في وطنٍ موجودٍ فعلاً؟ أم أَنا في وطنٍ سَراب؟
الوطنُ حقيقةٌ موجودة، والسراب وَهْمٌ خادع، فأين أنا؟
الوطنُ يَسوسُه حُكْمُ حُكّامٍ حُكَماءَ مُحَكَّمون مُحَكِّمون،
والسرابُ يَسوسُه غيمٌ عابرٌ وهميٌّ افتراضيٌّ زائل، فأين أنا؟
الوطن تُسَيِّرُهُ عربةٌ يقودها حصانان في اتجاهٍ واحدٍ صوبَ هدفٍ واحدٍ إلى وُصولٍ واحد،
فكيف يَسِيرُ وطنٌ يقودُه حصانان يشُدُّ كلٌّ منهما في اتجاه مُعاكسٍ الآخر؟
الوطن يعملُ له قادتُه في تفكيرٍ متعدِّدٍ لكنه متحدِّد في سبيل خلاصه ورفاهه وتَقَدُّمه،
فكيف وطنٌ يعمل قادتُهُ في تفكير متباينٍ متعدّدِ الاتجاهاتِ والولاءاتِ
والانتماءاتِ الطائفية أو الحزبية أو العقائدية أو المناطقية أو الاستزلامية؟
فهل يقومُ وطنٌ كهذا مبنيٌّ على سرابٍ مبنيٍّ في عقول مُتزمّتةٍ مُتحجّرة مَوتورة مُتوترة
تائهةٍ في صحراء بلا جهات أربع،
عطشى إلى التدمير لا التعمير، إلى الدَّمار لا العمار، إلى الرَّماد لا الاعتماد؟
وهل واحدٌ، من هؤلاء المتجاذِبين الوطنَ، لديه:
رؤيةٌ لغدٍ يطرحها للشعب،
أو تصوُّرٌ موثَّق موثوقٌ يطرحه للمواطنين،
أو مُخَطّطٌ قصيرُ الأمد، وآخرُ متوسطُ الأمد، وأخيرٌ طويلُ الأمد لمستقبل الوطن والشعب والحاضر؟
ضلالٌ ضلال… وسرابٌ سراب…
ووطنٌ يتهاوى لكثرة ما يستهين به قادته المفسُوخون فريقَين
والجاعلون الشعبَ وراءَهم فريقَين
والمحاسيبَ الأتباعَ الأزلامَ فريقَين،
فلا تعيين إلا من أحدهما، ولا اعتبار إلاّ لأحدهما، ولا انتخاب إلاّ بأحدهما.
أيُّ وطنٍ هذا الذي جعَلوه ملعباً لِمصالحهم، والشعبُ كرةُ القدم،
وأيُّ سرابٍ هذا الذي يوهِمون الناس أنه وطنٌ
فيما هُمْ لا يُقدّمون رغيف خبزٍ لمعجن شعبه الخائر في هوّتين:
قعرِ هذه الهوّة لهذا الفريق، أو في قعر تلك الهوّة لذاك الفريق.
أيَّ وطنٍ سرابٍ جعلوه،
وآباؤنا سلّموهم إياه سراباً بين الدول تحقَّقَ حتى صار إلى وطنٍ ذي كيانٍ ودولةٍ
وشعبٍ يهنأُ فيه واحةَ أمانٍ واطمئنانٍ وينبوعَ حياة؟
أيُّ أُمٍّ من اثنتَين هي هذه الأُم التي ترضى بفسْخ ولدها شِقَّين إن كانت حقاً هي أُمَّ الصبيّ؟
فأين هي أُمُّ الصبيّ؟
ومَن هي التي ستصرُخ مفجوعةً هَلِعَةً حين يأمُر القاضي بفَسْخ الصبي؟
أَفَريقان متشادّان كلٌّ في اتّجاه،
ونأمل أن يكونَ الوطنُ حصَّةَ أحدٍ منهما دون الآخر؟
في جميع أوطان الأرض معارضةٌ وموالاةٌ،
غير أنهما معاً يُواليان أو يُعارضان من أجل مصلحة الوطن لا لخدمة مصلحةِ فريقٍ دون الآخَر.
لذلك يتساءلُ المتبصِّر الأُمور:
هل أنا في وطنٍ موجودٍ فعلاً؟
أم أنا في وطنٍ سَراب؟
الوطنُ حقيقةٌ موجودة، والسرابُ وَهْمٌ خادعٌ، فأين أنا؟
ويبقى أوجعَ ما في سؤال الوطن: أن يظلّ سَراباً تائهاً بدون جواب.