هنري زغيب
Follow us on Facebook
Follow us on YouTube

984: صورةٌ طولها ساعة ونصف الساعة

الحلقة 984: صورةٌ طولُها ساعة ونصف الساعة
الأربعاء 23 شباط 2011

فعلاً أنْ ليس من حَدٍّ للفضاء السيبرنتي
ولا لهذا العفريت الجميل الذي اسمه الكومپيوتر،
وما إليه من تصاميمِ برامج، وهندسة إبداعات،
وفنون تخطيطية: تصويراً وزخرفةً ورسوماً بيانية، منها الثابت ومنها المتحرك.
وهذا ما تَجلّى مؤخراً في نتيجة مسابقة “ڤان غوخ للمواهب” التي تقيمها إيطاليا كلّ عام، وقيمة جائزتها… مليون دولار.
وفيما نالت جائزتَها سابقاً صورةٌ جامدة لِمنفضةٍ عليها سيجارة،
إذا دقّق الناظر إليها عن قُرْبٍ أو كبّرها بدَت السيجارة رجُلاً مُمَدداً بكفنٍ أبيض منطوياً كسيجارة،
نالت جائزتَها المليونية التالية صورةٌ جامدةٌ لكنها تتحرَّك مع مرور فأرة الكومپيوتر عليها.
الصورةُ منظرٌ لِميناء مدينة هونغ كونغ بأبراجها العالية وبَحرها الهادئ ومرفَإِها الواسع.
وهي جامدةٌ لكنها، بِنزول فأرة الكومپيوتر عليها من أعلاها إلى أسفلها،
تتغيَّر الإنارة في الصورة من:
واضحةٍ مُشمسةٍ عند الساعة 6:10 عصراً
إلى غشاوة الغروب كلّما نزلت الفأرة على الصورة دقيقةً بعد دقيقة
فتتضاءل أنوارُ الغروب تدريجياً تدريجياً
حتى إذا وصلَت الفأرة إلى أسفل الصورة عند الساعة 7:40 دقيقة،
تُمسي المدينةُ في قلب الليل مشعشِعَةً بأنوارها الكاملة.
هذه هي الصورة التي ربحت جائزة المليون دولار على هذه التقنية الكومپيوترية التي معها:
تبقى الصورة ثابتةً جامدةً على المنظر ذاته
لكنّ إنارتها تتدرَّج لفترة ساعةٍ ونصف الساعة
من آخِر النهار إلى أوَّل الليل مع نزول الفأرة من أعلاها إلى أسفلها.
ها هوذا الغربُ ينتقلُ بنا من مشهد النهار إلى مشهد الليل في المنظر ذاته.
وها هو الشرقُ ينتقلُ بنا من مشهدٍ يتغيَّر بين يومٍ ويوم:
بين يومٍ تَلتمُّ فيه الحشودُ في ساحةِ المدينة تعييشاً للحاكم وتصفيقاً له ومناداةً باسمه ودُعاءً بِطول العمر،
ويومٍ آخَر تلتمُّ فيه الحشود ذاتُها في الساحة ذاتِها ثورةً ضد الحاكم ذاته،
تسفيهاً له
وإحراقاً لصُوَره
وتحطيماً لتماثيله
ومناداةً بعَزْله
ودعوةً إلى الاعتصامات والإضرابات والاحتجاجات حتى يسقط الحاكم ويتغيَّر النظام.
مشاهدُ تتغيَّر من يومٍ إلى يوم في الساحة نفسها،
حين تستيقظُ الشعوبُ على توتاليتاريا قاهرةٍ ضاغطة، فتنتفضُ ضدّ الظلم.
وكما صورةُ الجائزة تتغيَّر نُزولاً بالفأرة من نهار المدينة إلى ليلها، أو صعوداً بها من الليل إلى النهار،
ها هي الشعوبُ الثائرة تنتفض، لا بِهسيس الفأرة بل بغضْبة الثوار:
فتتغيَّر من الليل إلى النهار،
من ليل الظُلم إلى نهار العدالة،
من عتمة القهر إلى شمس الحرية.
وبين صورة الجائزة المليونية الإيطالية، وصورة الثورة المليونية العربية، مشهدٌ متغيِّرٌ مشترك:
مهما يبدو متيناً عرشُ الحاكم الديكتاتور،
يَسقُط في الهشاشة الفورية حين يعلو صوتُ الحقيقة والعدالة الذي،
مهما تعالَت حولَه الأَصواتُ المضَلِّلة،
لا يعلو عليه أيُّ صوت.