هنري زغيب
Follow us on Facebook
Follow us on YouTube

680: ماذا نقرأ؟ ماذا يقرأون؟

ماذا نقرأ؟ ماذا يقرأُون؟
السبت 22 كانون الثاني 2011
– 680 –

من إحصاء نشرته “الفيغارو” الفرنسية في عددها الأخير حول “أكثر عشرة روائيين فرنسيين مبيعاً سنة 2010” أنّ الأول بينهم كان مارك ليڤي (50 عاماً، يعيش حالياً في نيويورك) وهو في روايته “سارق الظِّلال” حقّق مبيع 1643000 نسخة، ومجموع عائداته عن رواياته الإحدى عشرة بلغ 19 مليون يورو في سنة واحدة. وهو نفسه كان سنة 2009 حقّق مدخول 42 مليون يورو عن جميع مؤلفاته في جميع اللغات المترجَم إليها، ويكون بذلك أكثر كاتب فرنسي نافس مبيعات الكتّاب العالميين (20 مليون نسخة حتى اليوم لمجموع مؤلفاته في الفرنسية والترجمات). وذهب تحقيق “الفيغارو” إلى أن أولئك العشرة، لو كانوا لدى ناشر واحد، لكان هذا الأخير باع ثمانية ملايين نسخة في عام واحد، وهو رقم يلزم الناشر 500 كاتب كي يبلغه. وفي التحقيق نفسه أن أكثر المؤلّفين الأجانب مبيعاً للعام الماضي: الأميركية ستيفاني ماير (37 عاماً)، كاتبة روايات للشبيبة حقّقت مبيعاتها العام الماضي ثلاثة ملايين نسخة بلغ مردودُها 52 مليون يورو، وهو رقم قياسي عالمي فريد لكاتب واحد (معظم رواياتها انتقلت إلى الشاشة مع تحقيق أرقام عالية على شبابيك التذاكر). وفي التحقيق أن الأرقام الأكثر مبيعاً بين 2008 و2010 يتوازى فيها الكتَّاب مع الكاتبات.
هذه الأرقام، عدا حجمها كمردودٍ للمؤلِّف والناشر، تُشير إلى وضع اقتصادي يمكن أن يحقّقه الأدب لصاحبه، حين تُباع كتبُه عاماً بعد عامٍ وطبعةً بعد طبعة، ما يتيح له أمرين أَساسيَّين: مفاوضة الناشر على رفع نسبته المئوية من عائداته، وَتَهََيُّؤُه أن يكون مرشّحاً لجوائز أدبية كبرى إذا نال إحداها زاد مبيعُ كتابِه نائلِ الجائزة، وتالياً حقّق لمؤلفاته الأُخرى رواجاً إضافياً.
رقم المبيعات ليس دوماً معيار الأدب العالي الذي يبقى على الزمان، فثمة مؤلِّفون حقّقوا أرقاماً قياسية في مبيعات كتُبهم خلال السبعينات أو الثمانينات الماضية لم يعودوا اليوم يُحقِّقون أيَّ رقم يذْكره أيُّ إحصاء.
من هذه الأرقام يظهر كم ان الأدب منتِجٌ حين يدأب عليه صاحبه، وينصرف إليه ويتفرّغ له تأليفاً فَنشراً، مهنة يعتاش منها في ظروف حياتية مُريحةٍ ومترفة، ولو انه قد يكون أديب “موجة” أو ظرف أو نوع يُقبل عليه القراء إلى حين.
هذا الأمر يندر حصوله في العالم العربي. فالأرقام التي تأتينا من إحصاءات منظمة الأونسكو أو المنظمات المشابهة، تدلّ كم ان القراءة تاعسة في العالم العربي، من إحصاءات تشير إلى أن “كل 80 عربياً يقرأون كتاباً واحداً في السنة”، وأخرى (كما تقرير التنمية البشرية للأونسكو) تشير إلى أن “الدول العربية أنتجت 6500 كتاب في سنة واحدة بينما أنتجت أميركا الشمالية وحدها 100 ألف كتاب، وأميركا الجنوبية 42 ألف كتاب”. وفي إحصاء أخير (كانون الأول 2010) أن “متوسط القراءة للفرد العربي لا يزيد عن ربع صفحة في السنة يقرأُها في 6 دقائق، وأنّ كل مليون عربي يقرأون 30 كتاباً في العام، وأن أكثر الكتب إقبالاً عليها تتوزّع على الطبخ والجنس والفضائح، وأن الكتب المترجمة عن الأجنبية بين 1980 و2010 لم تبلغ سوى 6881 كتاباً”، وذلك رغم محاولات متنوعة لتسهيل القراءة (مكتبات عامة، نوادي قراءة، كتب في جريدة،…).
وبالانتقال من تشخيص الوضع إلى معالجته، يجدُر بالحكومات أن تعالج الشّحّ في القراءة مع القطاع الخاص الذي غالباً ما يبادر، اشتراكاً مع القطاع العام المفترض فيه امتلاكُ الحلول والمعالجات عبر قنواته الرسمية القادرة، أو عبر دعم قطاعات ومؤسسات غير حكومية تسعى إلى دراسات ميدانية تستطلع الأسباب والنتائج، تستكشف العلة، وتقترح العلاج بطرائق وأساليب تُسهِّل القراءة، وتشجّعُها بحوافز وتسهيلات، فتجعلها سائغة، سهلة المقاربة، وفي قدرة الطبقات الوسطى والفقيرة، لأن الفقر ليس انعدام وسائل العيش فقط، بل هو الأُميّة (بأَشكالها المتعددة) في الوصول إلى تلك الوسائل. عندئذ ينتقل استطلاعُ التشخيص، من أسباب الإشاحة عن القراءة، إلى اجتراح طرقٍ للإقبال عليها، مقدمةً للإقبال على مجتمع متطوّر تكون فيه القراءة جزءاً يومياً من سلوكيّات الشّعب وثقافته.