هنري زغيب
Follow us on Facebook
Follow us on YouTube

961: خدمة عامة؟ أم خدماتٌ خاصة؟

الحلقة 961: خدمة عامة؟ أم خدماتٌ خاصة؟
الأحد 28 تشرين الثاني 2010

بعد انتخاب كريستيان وُوْلف في 30 حزيران الماضي رئيساً على ألْمانيا، انتقل من سَكَنِه في هانوڤر إلى العاصمة السياسية برلين ليزاول مهامَّه الرئاسية. لكنه واجه مشكلةً هناك في طفله لينوس (سنتان وخمسة أشهر) بالعجز عن إدخاله الى دارٍ حكوميةٍ للحضانة ذاتِ قسط رمزي.
ولما كان في القانون الألماني لِدُور الحضانة ألاّ تستوعب إحداها إلاّ 43 طفلاً فقط، وكان العدد اكتمل في تلك الدار، اضطُرّ الرئيس الألماني إلى تسجيل اسم طفله على قائمة الانتظار حتى خُلُوِّ مكانٍ له فيها، أسوةً بعشرات الأطفال على قوائم الانتظار في دور الحضانة أو في المدارس الابتدائية حتى تتوافرَ لهم الأماكن.
ولأنّ في منطق ألمانيا الحضاري أنّ الرئيس الألماني، خارج مكتبه في قصر الرئاسة، هو مواطن عادي كأيّ مواطن ألماني، انصاعَ الرئيس للقانون عاجِزاً عن إلحاق طفله بحضانة الحيّ الذي يسكنه في برلين. وفي حديثٍ له إلى الإعلام قبل يومين، قال إنّ منصبه كرئيس البلاد لا يُخوّله أن يعامَلَ معاملةً خاصة تميّزه عن غيره من المواطنين. لذا سجّل طفله على لائحة الانتظار.
لا أَسُوقُ هذه القصة حتى أُسْقِطها، كما قد يتبادر الى أذهانكم، الى الوضع عندنا في لبنان، فالمقارنة لن تصحّ، وما حَدَثَ في ألمانيا لن يحدث عندنا ولو بعد قرون.
إنما أَسُوقُ هذه القصة لأُشيرَ:
إلى أهمية التصرُّف للحفاظ على نُظُم المجتمع المدني عن طريق الخدمة العامة،
وإلى معنى الالتزام بتلك النُّظُم وعدم تجاوُزها الى خدمة خاصةٍ أياً يكن طالب هذه الخدمة الخاصة، ولو كان رئيس الجمهورية.
هذا السلوك المناقبيُّ يأتي:
أوّلاً من الالتزام بمبادئ السلطة والاقتناع بكيفية إدارة السلطة العليا لتكون مثالاً ونموذجاً وقدوةً لا يَطالُها لومٌ ولا يشار إليها بتهمة التجاوز، حتى يظلَّ مَن في السُّلطة جديراً باحترام الشعب وأهل السلطة، فلا يُضعِفَ هيبتَه فعلٌ يأتيه يُطيح فيه مبادئ السلطة.
وهذا السلوك المناقبيُّ يأتي:
ثانياً من تربيةٍ اجتماعية ثقافية ينشأُ عليها المواطن منذ بيتِه فالمدرسة فالجامعة، حتى إذا بلغ أعلى مراتب السلطة، كَحَال رئيس جمهورية ألمانيا، التزم بالمبادئ العليا في المصلحة العامة لا يُطيحها من أجل مصلحته الخاصة.
ومتى المسؤولُ الكبيرُ في السلطة التزم تلك المبادئ، ولَم يُضَحِّ بالمصلحة العامة من أجل مصلحته الشخصية، ولَم يسخِّر الخدمة العامة من أجل خدماته الخاصة، يكونُ وَلِيَ السلطة في قوةٍ وحزمٍ وعزمٍ وحسمٍ، وكان فوق كلّ شبهةٍ، وتحت كل قانون، وبين شعبه مُحترماً ومُهاباً ومُطاعاً.
وكلُّ مسؤولٍ أَعلى يفقد مثلَّث الاحترام والمهابة والطاعة، يُصبح وجودُه في السُّلطة ضعفاً للسُّلطة، وخطراً على الحكم، ومشروعَ مأْساةٍ لكلّ الوطن.