هنري زغيب
Follow us on Facebook
Follow us on YouTube

960: زلّة لسان

الحلقة 960: زَلَّةُ لسان
الأحد 28 تشرين الثاني 2010

أول من أمس، الاثنين، حملَت إلينا وكالة رويترز من طوكيو نبأَ استقالة وزير العدل مينورو ياناجيدا بسبب “زلّة لسان” رأى فيها أقطابُ المعارضة “استخفافاً بمناقشات الپرلمان الياباني حول الميزانية والتأخُّر في إقرارها”.
ما الذي قاله الوزير؟ صرّح أمام مناصريه: “سهلٌ أن يكون أحدُهم وزير عدل: يكفي أن يجيب عن مناقشات البرلمان بعبارة: لا يمكنني التعليق على حالات خاصة”.
اعتبرت المعارضة هذا الكلام إهانةً للپرلمان، فقدّم الوزير استقالتَه الى رئيس الحكومة الذي قبِلَها على الفور كي يتفادى تفاقُم الأمر.
هكذا إذاً في اليابان: يستقيل وزيرٌ لأنه قال كلاماً فُسِّرَ إهانةً للپرلمان، واعترف هو نفسه بأنها “زلة لسان”.
فماذا عن وزراء ونواب وسياسيين عندنا يوجّهون إهاناتٍ كل يوم الى پرلمان الشعب والى الشعب والى الوطن؟
وماذا عن سياسيين عندنا لم يعد لألسنتهم رادع، ولا لكلامهم وازع، ولا لعنترياتهم مانع، ولا لتجاوُزِهم حدودَ اللياقة والأخلاقيات السياسية والمناقبيات العامة رادع ولا وازع ولا مانع؟؟
وماذا لو كانت عندنا أخلاقياتٌ سياسية تجعل الوزيرَ أو النائب يقدِّم استقالته إذا تلفّظ بما اعتُبر إهانة لممثلي الشعب أو للشعب؟ إذاً لَـكُنّا نشهد يومياً تلاحُقَ استقالاتِ نوابٍ ووزراء حتى لا يبقى عندنا في الحكومة أو مجلس النواب غيرُ الذين يحترمون الشعب وممثلي الشعب وكرامة الشعب والحكم والوطن.
وماذا لو صدرَت في اليابان جريدةٌ تنشر على صفحتها الأولى خبرَ استقالة الوزير الياباني، وعلى الصفحة نفسها تصريحاتِ وزراء من عندنا أو نواب يوزّعون الشتائم شتى والتهم تترى والإهانات سُعرى، ولا يردَعُهم أحد، ولا يطالب باستقالتهم أحد، ولا يتحرَّك لمقاضاتهم صوتٌ في مجلس ولا نصٌ في جريدة، ويظلّون هانئين على مقاعدهم الوزارية والنيابية؟
طبعاً لسنا في حاجة للذهاب الى اليابان كي نتعلّم منها دروس المناقبية السياسية. فعلى كل رجل دولة، حين يعود الى ضميره وأخلاقه، أن يتحلّى، وهو في المسؤولية، بالحدّ الأدنى من شهامة الاعتذار أو الاستقالة عندما يسيء الى مؤسسة تناولها بالإهانة، والمفروض أنه يعمل على تطويرها لا التهديد بفضْحها ومقاطعتِها وتعداد مثالبها وشَلِّ الدولة بتصرفات وتحريضات.
رجلُ الدولة هو مَن تصرُّفاتُه على مستوى أقواله، فلا يُهين نفسَه إذ يُهين الدولة.
وهو من ينتبه الى خطابه السياسي قاموساً وتوجُّهاً، فيظهر عندها حجمُه السياسي ونُضْجُه السياسي. فالنضج السياسي يظهر في مستوى الخطاب السياسي.
وإذا كانت العودة عن الكلام المسيء من بديهيات الأخلاق والتعامل الاجتماعي، فَرَأْسُ بديهيات الأخلاق السياسية أن تكون الاستقالة الشهمة علامةَ رجل الدولة الشهم الذي لا يتمسَّكُ بمقعده بل بصورته السياسية التي هي العنوان الأول للنضج السياسي.