هنري زغيب
Follow us on Facebook
Follow us on YouTube

959: عشية الاستقلال… من أجل استقلالٍ حقيقي

الحلقة 959: عشية الاستقلال… من أجل استقلالٍ حقيقي
الأحد 21 تشرين الثاني 2010

عشيةَ الاستقلال نرنو الى حكومة الاستقلال الأُولى، وكيف كانت وَحدةً متراصَّة، موحَّدةً متكاملة، موحِّدةً حولها شعبَ لبنان.
وعشيةَ الاستقلال نرنو الى حكوماتٍ تلَت حكومة الاستقلال الأُولى، وكانت الى حدٍّ كبير وَحدَةً موحَّدَةً موحِّدَةً حولها شعبَ لبنان.
وعشية الاستقلال، والحديثُ عن الحكومات، نرنو الى أَبعدَ من عندِنا، الى فرنسا التي أخذْنا عنها الكثيرَ أيامَ كانت عندَنا، ونأْخُذ عنها الكثير من معالِم الديمقراطية والسيادة حتى وهي لم تعُد عندنا.
من هذا الكثير: ما حدَثَ فيها قبلَ أيامٍ حين استقالَت حكومتُها، وبعد ساعاتٍ أعاد ساركوزي تكليفَ رئيسِها المستقيل فرنسوا فِيُّون إعادةَ تشكيلِها، وبعد ساعاتٍ لاحقةٍ تشكَّلت الحكومةُ الجديدة، ولم يعترِضْ أحد، ولم يَحرَدْ أحد، ولم يهدِّدْ أحد، ولم يقاطِعْ أحد، ولم تَقُمِ القيامةُ على رئيسٍ هو اليوم في أدنى مستويات شعبيّته بسبب إصراره على رفع سن التقاعد، في موقف كلّف فرنسا إضراباتٍ ومظاهراتٍ وخسائرَ بالملايين في الاقتصاد والبنية التحتية، ومع ذلك ظلّ الرئيس ساركوزي على موقفِه، واستلَّ موافقة مجلس النوّاب ومجلس الشيوخ، قوياً بِحُجّته أن يخسر شعبيّته ويربح اقتصادَ فرنسا وصالِحَ خزينة الدولة وصالِحَ الفرنسيين عُموماً.
طبعاً لا أَقولُ هذا كي نتشَبَّه. أعرفُ أنّ الدستور الفرنسي يُعطي الرئيس الفرنسي ما لم يَعُد دستورُنا يُعطيه للرئيس اللبناني.
وأعرفُ أن صلاحيات رئيس الجمهورية اللبنانية بعدَ الطائف هي غيرُها قبلَ الطائف.
لكنّ الموضوعَ ليس هنا، وليس حولَ صلاحيات الرئيس، بل حول ما يَدور على الوضع الحكومي.
فكيف سيكتُب غداً مؤرِّخو هذه الحقبة من تاريخنا أنّ حكومةً واحدةً مسمّاةً “حكومةً ائتلافية” و”حكومةَ وَحدةٍ وطنية” هي واقعاً فريقان أحدُهُما يُهَدِّد الآخَر بالموافقة على رأيه “وإلاّ…”، وخارجَ الحكومة مَن “يبشِّر” المواطنين الكرام باستحالة تشكيل حكومةٍ جديدة إذا استقالَت هذه الحكومةُ أو انصدَعَت أو انشَلَّت.
وكيف سيكتُب غداً مؤرّخو هذه الحقبة عن صعوبة تعيين جلسةٍ لمجلس الوزراء طالما لم يُحَلَّ بعدُ البندُ الأول من جدول الأعمال – حول “شُهود الزور” -، وطالما لم يأتِ الحلُّ من الخارج، من وِساطاتِ هذه الدولة أو تلك.
وكيف سيكتُب غداً مؤرّخو هذه الحقبة عن جهةٍ تفْرض فرْضاً على رئيس الحكومة جدولَ أعمالٍ يضَعُهُ عادةً رئيسُ الجمهورية ورئيسُ الحكومة، فتأتي جهةٌ تفْرض عليهما بنداً أوّل وواحداً ووحيداً في جدول الأعمال، “وإلاّ…”.
غير أنّ أوجعَ ما قد يكتُب المؤرخون غداً، أنْ مرَّ زمنٌ على لبنان كان فيه ضعيفو نفوسٍ ارتَضَوا أن يكونوا قطعاناً في قبائلَ ومزارعَ تَدين بالولاءِ لهذا الزعيمِ أو ذاك من أسيادِ القبيلة أو المزرعة، عوضَ أن تَدين بالولاء لِما سوى الوطن الواحد والشعب الواحد والمفهوم الواحد الوحيد لكرامة الاستقلال الحقيقي.