هنري زغيب
Follow us on Facebook
Follow us on YouTube

667: من يبلغ “نوبل الأدب”؟ ولماذا؟

من يبلغ “نوبل الأدب”؟ ولماذا؟
السبت 16 تشرين الأول 2010
– 667 –

مع هذه الفترة من كلّ عام يتثاءب سؤالان، أوّل: لِمن “نوبل الآداب” هذا العام؟ والآخَر بعد إعلان الاسم: لِماذا صاحب هذا الاختيار؟ وتروح التنظيرات تُحلّل وتناقش، بعضها مُغْرضٌ حاسد والآخر مُثْنٍ حامد، ونادراً ما يكون على النتيجة إجماع.
اختيار ماريو فارغاس يوسا لـ”نوبل الآداب 2010″ ذو معايير عدة. قد يكون بعضها أنه أحد أكبر الأدباء في اللغة الإسپانية الأميركو-لاتينية، وأنه نال سنة 1995 “جائزة سرڤانتس” – كبرى الجوائز في تلك اللغة -، وأنه كان سنة 1990 مرشَّح الرئاسة في بلاده الپيرو، وأنّ له ما يزيد عن 30 كتاباً بين روايات ومسرحيات وأبحاث، وأنّ كتابه الأول سنة 1963 “زمن البطل” أثار جدلاً في بلاده، كرواية بيوغرافية سرد فيها تجربته المرّة في المؤسسة العسكرية فأحرقت السلطة الكتاب علناً في ساحة عامة، وأنه فاز سنة 1994 بعضوية الأكاديميا الإسپانية فكان أول أميركي لاتيني يفوز بهذا المقعد، وأن مؤلّفاته باتت مترجمة الى نحو 31 لغة عالمية (خصوصاً روايتاه “حوار في الكاتدرائية” و”البيت الأخضر”)، وأنّ اسمه في التداوُل منذ سنوات للفوز بـ”نوبل الآداب”، الى معايير أخرى يصعب حصرها والتعداد.
الأكاديميا السويدية، مانحة الجائزة، برّرتْ فوزه بها على أنه “رَسَم خارطة واضحة لهيكليات السلطة، وبرع في تصوير قدرة الفرد على المقاومة والثورة والفشل”. وهو بذلك في صفّ أسلافه الأحد عشر من كتّاب الأدب نفسه نالوا “نوبل للآداب” (بينهم التشيليّان غبريالاّ ميسترال سنة 1945 وپابلو نيرودا سنة 1971، والإسپاني ڤيسنته ألسّندري سنة 1977، والكولومبي غبريال غارثيا ماركيز سنة 1982، والمكسيكي أوكتاڤيو پاث سنة 1990،…)، ولِمُعظمهم معايير تقترب من تلك التي أوصلت ماريو فارغاس يوسا الى الجائزة.
غير أن المعيار الأقوى – ظهر في “تبرير الجائزة” أم لم يظهر- هو في كون الأديب ابن بيئته وشعبه وبلاده، أياً كان منحاه في مقاربة هذه البُنُوّة. فماريو فارغاس يوسا، منذ روايته الأُولى (وترجمتُها الحرفية “المدينة والكلاب”)، نشب في وجه الظلم والتعسُّف والدكتاتورية، وكلّفه ذلك منأى (لا منفى) قسرياً عن بلاده الپيرو كي يقول قولته الجريئة، مرة من قناعته الإيديولوجية اليسارية (خرج عليها في ما بعد) ومرات غانماً من اتّساع الأفق أمامه أستاذاً زائراً ومحاضراً في جامعات أميركية وأوروپية وفي محافل أدبية عالية ومهيبة جعلت نصوصه، كتباً ومقالات (خصوصاً في جريدة “إلـ پاييس” الإسپانية)، مرنى القراء في اللغات التي تصدر فيها تلك النصوص.
بتلك المناحي الجريئة تَكرَّس يوسا رائد “الموجة الجديدة” في أدب بلاده ولغتها، لما في كتاباته من “متانة أُسلوب، ورؤى مغايرة، وأصوات طالعة من قلب المعاناة، عناصر ساعدَت جميعها على تجديد فن السرد في القصة والرواية”، كما أعلن پيتر أنغلند الأمين العام لجائزة نوبل، واصفاً يوسا بأنه “راوٍ موهوب في فرادة نادرة”.
هذا الأمر يحمل الى التأمُّل في دور الكاتب ورسالته وما له من تأثير في شعبه وبني لغته أولاً ثم في الذين يقرأونه من أبناء سائر اللغات. ولنتذكّر جبران الذي، من صومعته الصغيرة في مانهاتن نيويورك، أطلق كتابه الصغير “النبي” فاندلع بضعةً من أشهر في الإنكليزية ومنها الى لغات العالم وما زال يندلع حتى اليوم الى لغة جديدة وشعب جديد مع كل إشراقة شمس وغروبها. وهذا يُثبِتُ أنْ ليست الإيديولوجيا “النضالية” دائماً هي وراء الشهرة أو التأثير وتالياً وراء منْح الأديب “نوبل الآداب”، فلا جبران كان “مؤدلَجاً” بل خاطب عمق الإنسان في كل بلاد وكل لغة، ولا غبريالاّ ميسترال كانت مناضلة “إيديولوجية” بل شاعرة حب لامست قلوب الناس في كل الدنيا.
وإذا كان يوسا، في أول تصريح له بعد تلقّيه نبأ فوزه بـ”نوبل الآداب”، صرّح بأنه لم يكن يوماً يرغب “في خوض المعترك السياسي، لكنّ واجب الأديب أن يشارك في هموم شعبه ومشاكل بلاده… ومشاركتي كانت حتمية لأن بلادي كانت تعاني من الإرهاب والحرب الأهلية والتضخُّم القاتل…”، فهذا يعني أنّ للأديب، في بلاده، دوراً نابضاً، حياً، مباشراً، قوياً، ضاغطاً، يمكنه أن يغيّر المعايير والمقادير وأن يكون هو نفسه قائد شعبه الى الثورة والخلاص من النير.
إنّ للكلمة دورها ورسالتها وتأثيرها حين تأتي من أديبٍ ذي مصداقيةٍ في حَمْل شعبه الى الخلاص، ما يفترضه أن يكون بعيداً عن الاصطفاف الآنيّ العابر والانحياز للأشخاص، كي تكون لكلمته سلطة، ولأدبه هيبة، ولمؤلفاته رهبةُ انتقالِها من لغتها الأُم الى لغات العالم.
وهذه سِمةُ الأديب، شاعراً أو ناثراً، لبلوغ العالَمية.