هنري زغيب
Follow us on Facebook
Follow us on YouTube

933: بين شهادة الحائط والسيرة الذاتية

الحلقة 933: بين شهادة الحائط والسيرة الذاتية
الأحد 22 آب 2010

في حديث مع مرجع نقابي كبير، كان كلامٌ على عدد وافر من نقابيين محدودة معارفهم باختصاصهم المهني دون ذرةٍ من ثقافة عامّة خارجَه أو مُجاورَه. وهذا قد يَجعل منهم نقابيين في مهنتهم إنما قاصرين عن الإحاطة بجوارٍ لِمهنتهم يفيدهم حتماً في مزاولة هذه المهنة.
هذا الأمر يقودُنا الى التأمُّل في أرقام مقْلقةٍ تطالعنا أواخر حزيران وأواسط تموز من كل عام. في هذه الفترة من مطالع الصيف، تعُجُّ أعمدة الصحف بصُوَر المتخرّجين وأعدادهم، فإذا هم بالآلاف. وبقدْرما تُفرح هذه الأرقامُ الطلاّبَ وأهاليهم لبلوغ الأبناء خروجَهم من باب الجامعة الى باب المجتمع، وبقدْرِما يتصاعد الرَّيب في إمكان إيجاد آلافِ المتخرّجين هؤلاء فرصَ عملٍ لَهم في الوطن يدفعهم غيابُها الى الوقوف على أبواب السفارات طالبين تأشيرة دخولٍ الى بلدان تتَّسع لاختصاصاتهم في الخارج، بهذا القدْر يُقلق مستوى الثقافة لدى طلاّبٍ يَحملون شهاداتِ اختصاصٍ معلقةً على الحائط ومذكورةً في سِيَرِهم الذاتية، وليس في مخزون أصحاب الشهادات بُعدٌ ثقافي يعصمهم من الجهل في مواضيعَ عامةٍ ومعارفَ ضروريةٍ لهم في المجتمع والحياة. فالحياة المجتمعية ليست شهادةً وحسْب، ولا درجةً جامعية وحسْب، ولا وظيفةً أو مهنةً وحسْب يزاولها من نال بها شهادة تَخَرُّج.
والْمُتابعُ الحياةَ الشبابية اليوم في لبنان ويلاحظ اهتمامات الجيل الجديد، لا يرى في الردح الأكبر من شبابنا وصبايانا ما يشير الى اهتماماتٍ لديهم فنيةٍ أو أدبيةٍ أو ثقافيةٍ أو معرفيةٍ تجعل منهم جيلاً مثقَّفاً، بما في مفهوم الثقافة الواسع من حُسْن سلوك وحُسْن تصرُّف وحُسْن انضباط وحُسْن التزامٍ بقواعدَ وأُصولٍ ونظُمٍ وقوانينَ وانضباط، جميعُها تُمليها ثقافةٌ بيتيةٌ ومدرسية وجامعية ومجتمعية تُبنى مرحلةً بعد مرحلة، كلّما أكثر الجيل الجديد من اختلافه الى مراكز اكتساب الثقافة، عوض تَرَدُّده الى معاقر اللهو والوقت المهدور، والاسترخاء ساعاتٍ طويلةً أمام شاشة تلڤزيون لا تقدِّم له ما يُثقِّفه، أو ما يُفيده، أو ما يُعْلي من مستوى ذائقته الفنية، لذا نجد الكثيرين من أبنائنا ضئيلي الذوق الفني، خفيفي الاختيار الثقافي، ضائعي التَّوَجُّه السليم الى أهداف سليمةٍ تقودهم الى مراتبَ سليمةٍ تُهيِّئُهم غداً ليكونوا قادة البلاد وآباء مرشدين وأمّهات متنوّرات.
الثقافة العامة شهادةُ الحياة. وليست شهادةُ الجامعة سوى مفتاحٍ لدخول المجتمع الى المهنة والوظيفة، لكن النجاح، في أية مهنة وأية وظيفة، يكون بنهْل المزيد من المعرفة والثقافة، لا بِمجرَّد حَمْل الشهادة من حائط البيت الى سطرٍ عابر في السيرة الذاتية.