هنري زغيب
Follow us on Facebook
Follow us on YouTube

929: بسبب شجرة… من أجل شجرة

الحلقة 929: بسبب شجرة… من أجل شجرة
الأحد 8 آب 2010

الذين سقطوا في موقع العديسة (الثلثاء الماضي)، استشهادُهم أَبعدُ من أن يكون بسبب شجرة.
وحين هوَوا على الأرض يقبّلون ترابَها قبل أن يلفظوا نفَسَهم الأخير، لم يهوَوا لينطفئَ فيهم النَفَس، بل ليُضاءَ في نفَس الوطن أفقٌ جديد لِمستقبلٍ مرصودٍ فيه على لبنان أن يقاومَعدوّاً لا يغتصب الأرض ولكنْ يغتصب التاريخ.
أبعدُ من كاميرا سدَّت رؤيتَها شجرةٌ، هي العينُ العدوَّة التي تتربّص بلبنان منذ نصف قرن، منذ قرن، منذ قرون.
وإزالة شجرةٍ من أمام عين كاميرا، نموذجٌ للنية السوداء التي تُضمِر أن تزيل أشجار لبنان البشرية والطبيعية، كي لا يظلَّ هذا الوطن الأُعجوبيُّ القوةِ والصّمود سَداً في وجه العدوّ، وعين العدوّ، ومُخطّطات العدوّ.
وما قام به جيش لبنان في العديسة، ردّةٌ طالعةٌ لا من فوهة بندقية بل من فوهة شعب كامل هبّ خلف جيشه مناصراً وداعماً في عيده جيشاً طالعاً من قلب شعب لبنان ليحمي أبناء لبنان قلباً قلباً، يسقط منه شهيد تلو شهيد، ليكون استشهاد كلّ جندي لبناني طريقاً جديداً يقود الى فجر يَشقُّه جيش لبنان كل يوم جديدٍ من عديسة جديدة في كل نقطة على أرض لبنان.
ومع بندقية الجندي اللبناني، يكونُ أن يسقط قلم. هي ذي صورةٌ أخرى من صمود لبنان: يستشهد فيه الجندي والصحافي، ذاك رافعاً بندقيته لتبقى عاليةً وتكمل الدفاع، وهذا رافعاً قلمه لتبقى عاليةً في لبنان قوةُ الكلمة الحرة والصحافة الحرة التي لا تصرعُها رصاصة، ولا يزيلُها مدفع، ولا يَمحُوها صاروخ، ولا تقضي عليها قذيفة.
ثلثاء العديسة، على حدود لبنان، سجَّلَ استشهاد الجندي والصحافي، وارتفاعَ البندقية والقلم لإكمال الطريق.
ثلثاء العديسة، سجّل استشهاداً بسبب شجرة؟
صحيح. لكنه استشهاد من أجل حُبّ، حبٍ واحدٍ يجمع كلّ لبنان، حبِّ شجرةٍ تحمل رمز لبنان: أرزة لبنان.
بسبب شجرةٍ سقط شهداؤنا الأبطال، ومن أجل حُبّ شجرة سقطوا.
وإذا أزيلت الشجرة التي بسببها سقطوا، فالشجرة التي من أجل حُبِّها استُشهدوا، لن تزيلَها جرّافةٌ ولن تقطعَها قذيفة، فهي ليست فقط على جبين جبال لبنان، وليست فقط في قلب علم لبنان، بل في قلب كل لبنانيٍّ على أرض لبنان وفي عالم الانتشار اللبناني: لأجل حُبِّها يدافع لبنان، كلُّ لبنان، عن كلّ شبر فيه وعن آخر طفل على ترابه المقدس، كي تبقى البندقية حرةً في الدفاع، ويبقى القلم اللبنانيّ حراً شجاعاً، جنباً الى جنب مع البندقية، فيظلَّ لبنان يواجه هذا القدَر القاسيَ المفروض عليه، ويحمي أبناءه جميعاً، بِمقاومةٍ سلاحُها الإيمان.
وبهذا الإيمان وحده، يقاوم لبنان، وينتصر.