هنري زغيب
Follow us on Facebook
Follow us on YouTube

655: الأبحاث السرطانية وبائع الليموناضة

الأبحاث السرطانية وبائع الليموناضة
السبت 17 تموز 2010
-655 –

كان الپروفسور فيليپ سالم يَهُمُّ بِمغادرة عيادته في مستشفى “سانت لوك” (هيوستن) حين دخلَت مساعِدتُه تُعْلِمه عن مريض يُلِحُّ بِمقابلته ويبدو عليه الإرهاق الشديد. وكعادته في مواجهة الحالات الإنسانية، تريّث الپروفسور سالم في المغادرة، وسألها أن يدخل المريض. فإذا هو شاب في العقد الرابع، يحمل ورقة في يده دفعها إلى الطبيب فقرأها ليكتشف أنها من جمعية خيرية تسأله أن يعالج، على نفقتِها، هذا الشاب اليائس ضحية مرض السرطان الذي بدأ ينخر جسمه في توثُّب سريع.
عالج الپروفسور سالم مريضه أشهراً تخلَّلتْها فتراتُ تغيُّب الشاب عن عمله. وبعد يأسٍ كان ينخره في البداية أكثر من مرضه القاتل، راح يشفى من أوجاعه تدريجاً حتى انتهى علاجه بشفائه تماماً من السرطان الذي بات الپروفسور فيليپ سالم أحد أشهر أطبائه في العالم، ونال على نجاحه فيه كرسياً جامعياً باسمه (8 آذار الماضي) في مركز مستشفى “سانت لوك” للأبحاث السرطانية.
مع نهاية العلاج، بادر الشاب طبيبه: “فقيرٌ أنا، ولا حيلة لي. لكنني سأسعى إلى مبادلتك بما أمكنني”. ابتسم الطبيبُ الإنساني وسأل مريضه: “ما هو عملك؟” فأجاب الشاب: “بائع ليموناضة”. فشرح له الطبيب أنه تقاضى أتعابه من الجمعية الخيرية، وهو لا يسأله أكثر من أن يتمنى له حياة سعيدة بعدما شفي جسمه من السرطان. لم يكن المهم لدى الپروفسور سالم تَقاضي بدل أتعابه بقدْرِما كان تغذية صندوق مركز الأبحاث السرطانية الذي يُشرف عليه، ويحتاج ملايين الدولارات لمواصلة الأبحاث والدراسات حول مرض السرطان، وهو طبعاً ما يفوق كثيراً قدرة هذا الشاب الطيّب بائع الليموناضة.
عاد مايكل (وهو اسم ذاك الشاب) إلى عمله المعتاد عند ناصية بارزة من أحد شوارع هيوستن، بعدما غاب لفترةٍ عن تلك الناصية وعن “رواد” ليموناضته. وذات صباح توقّفَت أمامه سيارةٌ سوداء فخمة ترجّل منها المليونير الذي كان اعتاد أن يتوقّف عند مايكل يشرب من ليموناضته اللذيذة. سأله الرجل عن سبب غيابه فأجابه مايكل بما حصل وكيف شفي من السرطان بفضل الپروفسور فيليپ سالم في مستشفى “سانت لوك”. ومن فرح المليونير لشفاء البائع الطيّب أظهر نيّته في مكافأته بهدية تُفرحه، فسارع الشاب إلى الجواب: “شكراً. لا أطلب شيئاً لي. إذا أردتَ أن تُفرحني ، فساعِدْ مركز الأبحاث السرطانية الذي يشرف عليه الپروفسور سالم، والذي بفضله يتوصَّل إلى تحقيق معجزاته الشفائية”.
أخذ المليونير من بائع الليموناضة رقم هاتف الپروفسور سالم، واتصل به طالباً مقابلته، حتى إذا التقاه بعد يومين، روى له ما عرفه من مايكل الذي يعرفه منذ سنوات وفرِحَ لشفائه، وكيف رفض قبول مساعدة له بل طلب تحويلها إلى مركز الأبحاث. شرح الپروفسور سالم إنجازات المركز وحاجته إلى التمويل لمواصلة دراساته، وانتهى الاجتماع باتفاق على موعد بعد أُسبوع، التقى فيه الرجلان وانتهى بأن قدَّم المليونير إلى الپروفسور سالم شيكاً بِمليون ونصف مليون دولار مساعدةً منه لمركز الأبحاث.
عندما علم مايكل بالأمر، بعد يومين، من “زبونه” المليونير، قال له: “لم يعادِلْ فرحي بشفائي من السرطان، إلاّ نبأُ مساعدتِك مركزَ الأبحاث. بوركَتْ يداك السخيّتان، كما بوركَت يد الپروفسور سالم الأُعجوبية”.
كان ذلك قبل سنتَين. واليوم، كلما روى الپروفسور فيليپ سالم هذه القصة، يغصُّ من تأثُّر بالغ، ويقول إنّ مَن يريد أن يساعِد لا تعوزه الوسيلة، وإنه، حين ربَّت على كتف مايكل شاكراً عرضه “مساعدةً لا يقوى عليها”، لم يكن يعلم أن مايكل سيحقِّقُها للمركز بواسطة مليونير يرتاد ناصية الشارع التي يقف فيها مايكل ليبيع الليموناضة.
ويختم الپروفسور سالم بأن كلّ إنسانٍ قادرٌ على العطاء لأخيه الإنسان، إن لم يكن بقدرته الذاتية، فبقدرة مَن يُقَدِّر فرحَ الشفاء لدى أخيه… بائع الليموناضة.