هنري زغيب
Follow us on Facebook
Follow us on YouTube

925: إطمئنوا… إنه بخير

الحلقة 925: إطمئنُّوا… إنه بِـخير
الأحد 25 تموز 2010

من تَوَالي اتصالاتهم طَوَال هذا الأُسبوع، ومن أسئلتهم لهيفةً للاطمئنان عليه، أدركتُ كم يعني لهم أن يدخل المستشفى.
ومن جوابي إياهم عن استقرار حالته الصحية ووضعه الذهني، أدركتُ كم يعني لهم أن يكون سليماً من الخطر، وعائداً إليهم معافىً، بينهم صافياً، أمامهم جبلاً من تاريخٍ ووطن.
صحافيين كانوا، إعلاميين، أصدقاء، شعراء، فنانين، خابروني ليسألوا، ويعودوا من تسآلهم بجواب واحد: “شكراً لله وحمداً، سلامة قلبه وعقله”.
ما أهنأَ أن يتعلَّق الناسُ بِعَلَمٍ ليس من سياسيّيهم ولا من زعمائهم ولا من قادتهم ولا من رموزهم الفنية والاجتماعية، بل هو رمزُ الوطن، كلِّ الوطن، ورمزُ كشْفٍ عن تراث لبنان ما كشَفَه قبله أحدٌ كما فعل، ولا أضاءَ عليه أحدٌ كما استنفد هو حياتَه كلَّها للإضاءة على كنوز لبنان، كي يكون ماضي لبنان إرثاً لنا فنعرفَ كيف نستاهل المستقبل.
فريدٌ هذا الرجل في شخصه وشخصيته وتراثه. من لا يوافقونه مواقفه السياسية، ومن لا يرَون نظرته الفكرية، ومن يناهضون تياره الشعري والأدبي والجمالي، جميعُهم يُجمعون على أنه شاعر العصر، بل أنه عصرٌ كاملٌ من الشعراء.
يكتبون ضدّ أفكاره، ويعترفون بأنه الشاعر الشاعر الذي لا جدال في عبقرية قصيدته، تأسيسيةً لِكيفَ الشعرُ يكون، وترسيخيةً للجماليا في الكلاسيكية التي لا إلى زوال، لأنها ليست موجةً تَعلو وتُزبد وتَتَبَهرج ثم تَهبط وتزول متكسّرة على رمال الشاطئ، بل هي – أي الكلاسيكية – الزمرُّدة التي لا تتأثَّر بموجة تعلو ولا بموجة تزول، لأنها تتجدَّد مع كل عصر حين يتناولُها شاعر في حجم عصر.
قبل أيام، كنا حوله نحتفل بعيد ميلاده، وهو بيننا يُخاصر المئة من سنوات عمره الغني بالعطاء، نتساجل بشعره على مسمعِه وهو يشاركُنا إلقاء شعره، فيغتبطُ اغتباط البيدر بسنابل الجنى، هانئاً إلى أن كلاًّ منا حوله يتبنّى قولته في إحدى قصائده:
لي صخرة عُلِّقَت بالنجم أسكُنُها طارت بها الكتْبُ، قالت: تلك لبنانُ
الذين اتصلوا طوال هذا الأُسبوع يطمئنُّون عليه، فليطمئنُّوا: كنتُ في زيارته بعد ظهر أمس السبت، ورحتُ أستحثُّه بإطلاقي مطلعَ قصيدةٍ منه فيروح يكملها، سَعيداً كمَلِك، مبتسِماً كبراءة، نابضاً كما أَلِفْناه على المنبر بصوته الهادر وقامته الأرزيّة.
يا أحبابَه، ما أنبلَ هذا القلقَ في أسئلتكم، وما أنبلَ أن يتمسَّك الناس بصحَّة شاعرٍ يَرَون فيه صحّةَ بلادهم وتصحيحَ تاريخها وإصحاحَ التراث.
وهي هنا فرادةُ هذا الشاعر: أنه علَّمنا كيف يكونُ الوطن، وكيف نرفعُ هاماتِنا اعتزازاً بأننا ننتسبُ إلى لبنان سعيد عقل.