هنري زغيب
Follow us on Facebook
Follow us on YouTube

924: الجاز والبلوز… من أصول عربية!!

الحلقة 924: الجاز والبلُوز… من أصول عربية !!
الأربعاء 21 تموز 2010

طويلاً قبل ما سُمِّيَ “استرقاق العبيد”، كان الأفارقة بلَغوا أميركا الشمالية، خصوصاً مع طاقم كريستوف كولومبوس في رحلته الأولى إلى العالم الجديد سنة 1492. ثم أخذ مئات السود يصلُون إلى العالم الجديد (بين 1502 و1518) يعملون في المناجم. وفي دراسةٍ صدرَت مؤخّراً للباحث الأميركي جيري كوكر أنّ بعض أولئك السّود كانوا من جذورٍ عربية، وُلِدوا ونشأُوا في شبه الجزيرة الإيبيرية (اليوم: إسپانيا والبرتغال ومنطقة جبل طارق) فترةَ كانت تلك المنطقةُ هي الأندلس العربية التي حكَمَها العربُ سبعة قرون انتهَت بعودة الأندلس إلى الإسپان سنة 1492 بالذات، تاريخ وصول كولمبوس إلى العالم الجديد.
وكان العرب قبلذاك، خصوصاً في العصور الوسطى، يسترقُّون السود (يظهر منهم خدَمٌ في لوحاتٍ زيتية من تلك الحقبات الأولى) خصوصاً في أسواق الإسكندرية وتونس وطرابلس الغرب حيث كانت القوافل العربية تصل بعد عبورها الصحراء. على أنّ نظرة العرب إلى الاسترقاق كانت مُختلفة عن سواهم: كانوا، في بعض المواسم والاحتفالات، يُحرِّرون السود العبيد إذا كانوا ذوي مواهب في الرقص والموسيقى.
الباحث سْڤِنْ بُرغُر (اختصاصي في الموسيقى القديمة من معهد الدراسات الموسيقية لدى جامعة غُوتْبورغ في السويد) يرى أنّ الكثير من الآلات الموسيقية المعروفةِ اليوم اكتشفَها أو طوَّرَها أولئك العبيد السود ذوو الجذور العربية، وبلغَت تلك الآلات أوروپا عن طريق إسپانيا الأندلسية.
أولئك السود ذوو الجذور العربية وصلوا إلى العالم الجديد حاملين معهم آلاتِهم من طبولٍ وآلاتِ نفخية ووترية. ويرى بُرغُر أنْ حتّى الفلامنكو من جذورٍ عربية، لأن طريقة غناء الفلامنكو قريبةٌ جداً من الطرُق العربية في الغناء، من هنا أنّ الموسيقى التي كان يعزفها ويُغنّيها الأفارقة السود الأوائل في أميركا (المعروفة اليوم بالموسيقى الأفرو-أميركية) كانت ذات جذورٍ أندلسية عربية، فانتشرت في الأميركَتين (عدا البرازيل). ومن تلك الموسيقى الفطرية وآلاتِها، بدأ نوعُ غناءٍ ذو جذورٍ عربية وفروعٍ أفريقية، هو المعروف اليوم بـ”الجاز”، فتكون موسيقى الجاز من أصولٍ عربية، بِحسب الباحث السويدي الذي ينقل عن أستاذٍ للجاز من كلية الجاز في جوهنسبورغ، أنّ جذور موسيقى البْلوز موجودة في الغناء العربي، وأن أرقّاء بلدان أفريقيا الغربية حملوا معهم ذاك الضرب من الغناء إلى العالم الجديد.
بذلك يكون العرب ذوي تأثيرٍ بعيدٍ وعريق، حتّى في أكثرِ الموسيقى العصرية حداثةً، وهي موسيقى البْلوز والجاز.
فهل التناغم الحاصل اليوم، بين جمهورنا وموسيقى الجاز والبلوز، عائدٌ، لا وعييّاً، إلى جذوره الحضارية العربية؟
إنّ في التاريخ خبايا لاواعيةً، تُفَسِّرُ بانكشافها كثيراً مِمّا لا يعرفه الناس عن ثقافتهم وحضارتِهم، وحتّى عن جذور موسيقى يُحبُّونها اليوم ولا يعرفون أنها من جذورهم اللاواعية، الكامنةِ فيهم عبر حقبات التاريخ.