هنري زغيب
Follow us on Facebook
Follow us on YouTube

914: إنتبه: إعلان

الحلقة 914: إنتبه : إعـلان
الأربعاء 16 حزيران 2010

أما وانتخابات البلديات انتهَت، وانطوَت معها سجالاتُ التصاريح والمعارك الضروس، فالوقت حان للبرامج ولتنفيذ شعارات عمّت البلاد (مرةً عن حقٍّ ومراتٍ عن وُعود) بأنّ أساس العمل البلديّ هو الإنماء. وأَلفباء هذا الإنماء الاهتمامُ بالطرقات التي تؤدّي الى البلدات ومنها، وما يحفُّ بها من إِشعارٍ وأخطار، في طليعتها غاباتٌ عشوائيةٌ من لافتاتٍ إعلانيةٍ كبرى تدرُّ على البلدية والمُعلن مدخولاً دسماً، لكنها تحتاج الى ضبط وتنظيم. فأولوية الإعلانات الطرقية وَجَبَ أن تكون للبلدية نفسها، إعلاماً عن برامجها ومشاريعها ومعالِمها وواحاتها ومحمياتها الطبيعية ومواقعها السياحية ونقاط الجذب فيها، قبل الإعلام عن المغنين والراقصات، لأن الإعلان الطرقي ليس للمنتجات الاستهلاكية فقط، بل له هدف وطني واجتماعي وثقافي لتوعية المواطن.
ففي نيويورك مثلاً، على ناصية ساحة التايمز (الشهيرة بِحيّ برودواي وصالات السينما والمسارح) لافتة إعلانية كبيرة تحمل صورةَ نجمةِ الشبّان والشابات في أميركا جينيفر لوپّيز، وهي بعدُ طفلةٌ بجدولتين وفي مريول المدرسة، وتحتها عبارة “كونوا استثنائيين”. وهذه اللافتة جزءٌ من حملة إعلانية للتوعية تقوم بها حالياً جمعية نوادي الشبّان والشابّات في أميركا، على اللافتات الإعلانية الكبرى في الشوارع، لتشجيع النشء الجديد على الطموح والعمل لبلوغهم أن يكونوا استثنائيّين.
بينما عندنا غابات فوضوية من اللوحات الإعلانية على النواصي والمنعطفات والمستديرات والتقاطعات والطرقات السريعة وكامل حيطان الأبنية العالية وهواء السطوح المفتوحة وفي أماكنَ تستوجب انتباهاً خاصاً من السائقين فيذهب انتباههم الى إعلانات عن مطاعم تقدّم هذا المغني مع كأس العرق والأركيلة، أو تلك الراقصة مع أفضل المشاوي والمشروب المفتوح، وإعلاناتٍ عن بضائعَ وسِلَعٍ بعضُها يَستخدم جسد المرأة في أوضاعٍ معيّنة عند أماكن دقيقة من الطريق تسرق انتباه السائقين وتدعوهم للانتباه الى الطريق أمامهم. فكيف تضع الدولة، مثلاً، لافتة “إنتبه: كوع خطر”، وتسمح فوق اللافتة بوضع إعلانٍ للبياضات أو للجوارب فيه صورةٌ مثيرةٌ لحسناء مثيرة في مشهد مثير؟
أكثر الدول إعلاناً وتسويقاً للمنتجات الاستهلاكية، لديها قانونٌ ينظِّم وضْع اللافتات الإعلانية عدَداً ومسافةً ومواضعَ تركيز، ويَضبُط فوضى اللوحات الإعلانية كيفما اتّفق وأينما اتّفق وعَدَّما اتفق. وعندنا كذلك قانون خاص يفرض قياساتٍ معينة للإعلان ومسافةً عن الآخر وحجماً مُحدّداً ومُحتوى لائقاً. فلْيبدأْ تطبيق هذا القانون تحت طائلة عقوبات الوزارة المختصة، كي لا تعودَ تجتاحُ أعينَ السائقين غاباتُ إعلاناتٍ استهلاكية للسجائر والمشروبات ومساحيق التجميل والألبسة النسائية الداخلية.
إنّ على طرقاتنا تلوُّثاً بصرياً يجتاح المواطن اللبناني فيتغلغلُ في النفوس لا في الأجساد، وتلوُّث النفوس والسلوك والتربية لا يطال الأفراد بل المجتمع، ولن يعودَ ينفعُ شفاءُ الأفراد حين يصيب التلوُّثُ المجتمعَ بجميع أفراده.