هنري زغيب
Follow us on Facebook
Follow us on YouTube

913: من عتمة الكهف إلى ضوء القمر

الحلقة 913: من عتمة الكهف الى ضوء القمر
الأحد 13 حزيران 2010

في آخر المكتشَفات أنّ فريقَ آثارٍ من كلية كورك الجامعية في إيرلندا، عثَرَ داخلَ كهفٍ في أحد جبال أَرمينيا على أقدم حذاءٍ جلديّ يعود ترجيحاً الى نحو 5500 سنة. وهو من قطعة جلدية واحدة، في داخله بقايا عشب من الفترة نفسها. وأرسله الفريق، عند اكتشافه، الى معهد الآثار في يِرِڤان.
الحذاء من جِلْد البقر، منتَعَلٌ لكنه غير تالف، لا تقويةَ نعليةً له عند موطئ القدَم لتَقيه الدوسَ على الصخور النائتة. وهو وُجِد في تجويفٍ، ومعه إناءٌ فخاري وقرونُ ماعز بري. ورجّح خبراء الفريق أن الحشيش داخل الحذاء: إما بطانةٌ له، أو لعزل القَدَم عن السيول، أو لِحِفْظ شكْل الحذاء عند رَكنه.
وعن رئيس الفريق أنّ هذا العثور يساعد على اكتشاف طريقة العيش، وصيغة الحياة اليومية في الكهوف والمغاور خلال تلك الفترة السحيقة من التاريخ. فالتجويفُ داخل الكهف يشير الى أنّ المكان منْزلٌ مرفَّه.
كل هذا يشير الى خُطى الإنسان وتطَوُّره، وكم جبّارةٌ خَطَواتُه على مـرّ القرون والعصور، وهو يتقدَّم في اكتشافاته واختراعاته قرناً بعد قرن، وكلُّ قرن يحمل عناوينَ اكتشافاته: من الكهرباء الى السيارة الى الطيارة الى الإلكترونيات الى كشفِ كل جديدٍ متواصل في الطب والعلوم والجيولوجيا والجغرافيا.
هكذا سجَّل الإنسان تباعاً خطواتٍ متلاحقةً متسارعةً نقلَت الإنسانية من العصر الحجري والهمجية وشرعة الغاب، الى عصور الاكتشافات والاختراعات والحضارات والأنوار.
وظلّ الإنسان يتطوَّر ويُطوِّر معه الإنسانية، حتى بلغَ أنْ لم يُغَيِّر وجه العالم وحسب، بل خَرَجَ من كوكب الأرض الى زيارات الفضاء. فهوذا نيل أرمسترونغ، أولُ إنسان نزل على سطح القمر (20 تموز 1969)، بعد ستِّ ساعات ونصف الساعة من وطْئه أرضَ القمر ودوسه على مساحةٍ وصفَها كأنها الپودرة، قال عبارته الشهيرة: “هذه خطوةٌ صغيرةٌ للإنسان، لكنها قفزةٌ كبيرة للإنسانية”.
هكذا، من خطوة الإنسان في كهفٍ على قمةِ جبلٍ قبل 55 قرناً، الى خطوة الإنسان على أرض القمر قبل نصف قرن، تتجلّى عظمةُ الإنسان الذي لا حدَّ لِخَطَواته من جيلٍ الى جيل، ومن عصرٍ الى عصر، ومن خطوةٍ الى خطوةٍ على طريق المستقبل.
من هنا أنّ إنسان ذاك الكهف (وكان يعتني حتى بحذائه) لا بدّ أنه، وهو يرنو على باب كهفه الى هذا الكوكب الفضيّ فوقُ في سماء الليل، كان يَحلُم أنْ سَيَجيءُ يومٌ يقوم فيه إنسانٌ مثلُه بِنَقْل الإنسانيةِ من قعر الكهف الى سطح القمر.