هنري زغيب
Follow us on Facebook
Follow us on YouTube

905: أتركوا الوردة… وردة

الحلقة 905: أُتركوا الوردة… وردة
الأحد 16 أيار 2010

مع التطوُّر السريع الذي أَلْحَقَتْه التكنولوجيا الإلكترونية بِما نعايِنُهُ يومياً، ومنه ما يتَّصل بالـ”فوتوشوپ” (الذي يُمكنه التدَخُّلُ حتى في اللوحات الفنيّة المكرَّسة وتعديلُها وتسويقُ نُسَخٍ منها كأنها الأصلية)، طلعَت علينا تقليعةٌ جديدة بتلوين أوراق الوردة، كلِّ ورقة في لون مُختلف، حتى تصبح الوردةُ الواحدة قُزَحيَّة الألوان.
ولكان الأمر عادياً لو انه ظَلَّ صورةً على شاشة. لكنه انتقل الى الوردة الطبيعيّة التي أخذت تولَد ملوَّنةَ البتَلات، بعد عمليةٍ ناجحة حقّقها صاحبُ مشتل الزهور: الهولنديُّ پيتر ڤان دِر وِركِن في مدينته دِن بُوش. وتَمكّن من ذلك بِحَقْنِ صباغةٍ ملوّنة في ساقِ الوردة قبل أن تورِق، حتى إذا أَورقت خرجَت أوراقها كلُّ بتلة في لون. وسجّل اختراعه هذا ونال به براءة اختراع لم يكشِف عن تقنياته لأحد. وسَمّى اكتشافه “الوردة القُزَحِيَّة” لأنها تَجمع في بتَلاتها ألوانَ قوس قُزَح جميعاً في وردةٍ واحدة، ولا يُمكن شراؤُها باقاتٍ، بل وردةً وردةً تعيش أياماً قصيرة، أو ورداتٍ مُجفَّفةً تعيش طويلاً منظراً بدون عطر.
أخذ ڤان دِر وِركِن يسوِّق ورداتِه القُزَحيَّة على الإنترنت بأسعار باهظة، وسريعاً وجدت مَن يقتَنيها ويطلبها ويوصي عليها (خصوصاً في مناسبات الأعراس والاحتفالات الخاصة) لا لعطرها بل لطرافة منظرها الجديد. وأخذَت المواقع الإلكترونية تتسابق في الترويج على صفحاتها للوردة الجديدة بتنويعاتها القُزَحيّة وطرافة منظرها وجمال بتلاتها الملوّنة. وانتشرت “الوردة القُزَحيَّة” في أوروپا والولايات المتحدة، بضاعةً ترويجية استهلاكية تَحصد دهشة من يُهدونَها ومن تُهدى إليهم.
غير أن كلّ هذا، لا يَضير الوردة الطبيعية.
صحيح أن الوردة القزحية ليست اصطناعية، لكنّ الوردةَ عطرٌ وليست منظراً وحسْب. وتَدَخُّلُ يدِ الإنسان فيها يُبْعِدُها عن عفوية الوردة الطبيعية التي تحمل لونها الواحد: أَصفرَه أو أحمرَه أو أبيضَه أو الورديّ.
قدَرُ الوردة الجميلُ: تَأَمُّلُها، شَمُّها، قطُفُها، ثم إهداؤُها.
فلترتفع يدُ الإنسان عن تغيير وردة الطبيعة،
كي يظلَّ لكل لونٍ معناه ورمزُه،
كي يظلَّ الشعراء يكتبون عن الوردة المتكئة على السياج،
كي يظلَّ العشّاق يرسلون الوردة نيابةً عن كلماتهم،
كي تظلَّ الوردةُ وردةَ الطبيعةِ الحلوةَ التي، مهما تدخَّلت فيها يدُ الإنسان، تظلُّ بنتَ الطبيعةِ أُمِّ البراءة والعفوية
والجمال،
وكي تظلَّ الوردةُ عنواناً شاعرياً لأَرَجِ الجمال.