هنري زغيب
Follow us on Facebook
Follow us on YouTube

901: ما الذي وَلَّد كلّ هذا العنف؟

الحلقة 901: ما الذي وَلَّدَ كلّ هذا العنف؟
الأحد 2 أيار 2010

للسلطات الأمنية والقضائية أن تعالج جريمة كترمايا، وللمنطق الهادئ أن يعالج ما هو أبعد.
والأَبعدُ هنا، سؤال: ما الذي وَلَّدَ كلَّ هذا العُنف؟ ما الذي أتاح أن يحصل ما حصَل، وما الكان يجب أن يكون، كي لا يكون حصلَ ما حصل؟
في دراسة للباحث غي بونڤاليه ( Guy Bonvalletأستاذ القانون لدى ليسيه پيار وماري كوري في مدينة مانتون الفرنسية الجنوبية على حدود إيطاليا) تساءل: “هل يولَد العنف من النقص في حزم العدالة؟”. وعالج الموضوع من منطلق أنّ نِظرتنا الى العنف تتغيَّر بتغَيُّر المكان والزمان، وأنّ مظاهر العنف لا تتزايد لأن عدَدَها يزداد بل لأن التصريح عنها يزداد، كما حوادث الاغتصاب التي أخذت تظهر أكثر لأن الحركات النسائية آخذةٌ في كشفها مع تقدُّم العصر.
من هنا استخلاصُه أنّ العنف يزداد كلما ضؤلت أمامه فرص كبحه. ويورد مثالاً على ذلك أنّ القاصرين يرتكبون 43% من الأعمال العنفية بدون سلاح، فيما لم تكن هذه النسبة أكثر من 30% قبل عشرين عاماً. ويأتي الشعور بالقلق وعدم الأمان ليزيد من ارتكاب الأعمال العنفية: ثأراً أو انتقاماً أو استغلالاً لغياب العقاب الصارم في غياب عدالة حازمة. وهو ما أَشار إليه الباحث في كشفه أيضاً أنّ سَجْن عدد أكبر مما تستوعب السجون، أمر يؤدي الى خلل واضح في استيعاب الحالات العنفية، وتالياً يتيح تكرارها أو ازديادها في شكلٍ غالباً ما يكون مأساوياً.
وإذا كان بديهياً أن العنف يولّد العنف المضادّ، فالبديهيُّ أيضاً أن معالجة العنف بالعنف تولّد الشعور بانفلات المجتمع الى نسخة عصرية من شريعة الغاب التي لا تخضع لقانون ولا لعدالة، ولا تعترف إلاّ بالثأر الدموي الذي قد يتمظهر في شكل فاجع أحياناً فيطيح ضحايا بعضُهم مذنب ومعظمُهم بريء.
صحيح أن هذا يحصل في أكثر الدول تقدُّماً (ليس في وسْع أية دولة أن تضع خفيراً أمنياً في كلّ حيٍّ وشارع ودسكرة) لكنّ الصحيح أيضاً أنّ معالجة السبب الذي أدّى الى العنف هي التي تؤول، ولو بعد حين، الى ترويض المعنِّفين حتى تدجينِهم وإعادة دمْجهم في المجتمع أسوياءَ لاعنفيّين.
حزمُ العدالة العادل هو الضمانة، وسلطةُ القضاء السويّ هي الثقة التي إذا ذاقها المجتمع لا يعود يتنطح الى ثأر، ولا يلجأ الى انتقام على طريقة شريعة الغاب.
وقبْل حزم العدالة: هيبةُ الدولة، كلِّ دولة، في فرض القانون سواسيةً على الجميع، كي يكونَ كلُّ مواطنٍِ مَحميّاً بالدولة، والدولةُ مَحميّةً بالقانون، والقانونُ مَحميّاً بِحَزْم عدالةٍ صارمة تَجعل من العنف، أياً يكن، طريقاً الى اللاعنف الذي وحده ينقل المجتمع، أفراداً وسلطةً، من شريعة الغاب الى شريعة الإنسان الذي يستحقُّ رحمة العدالة الرَّحوم.