هنري زغيب
Follow us on Facebook
Follow us on YouTube

895: جواهر العائلة جوهر الحياة

الحلقة 895: جواهر العائلة جوهر الحياة
الأحد 11 نيسان 2010

يَحْدُثُ أن تأنَسَ الطفلةُ في بيت جدّتها الى سجادةٍ ثَمينةٍ ذات زهورٍ وخطوط وألوان، فتوصي الجدّة بالسجادة الى هذه الحفيدة الغالية.
ويَحدُثُ أن تأنسَ الحفيدةُ الى سلسال في عنق جدَّتها تلعب به وهي في حضنها، فتَهِبُ الجدّة السلسال الى هذه الحفيدة الغالية التي تكبر، وفي عنقها السلسال إرثٌ من جدّتِها، فتهبه بِدَورها الى ابنتها حين تكبَر، وقد تَحفظ هذه الابنة بِدَورها السلسال كي تهبه الى ابنتها في ما بعد.
هذه الصيغة العائلية في حفظ “صيغة” العائلة، تقليدٌ دافئٌ تنتقل عبره الجواهر من جيل الى جيل، فيكون الإرثُ العائليُّ رابطاً حميماً يجمع أفرادَ الأُسرة بعضَهم الى بعض، يتوارثونَه عن أجدادٍ فآباءٍ ويورثونه الى الأبناء فالأحفاد: قطعةَ أرضٍ، قطعةَ مُجوهرات، بيتاً في الضيعة، إسوارةً (يسمونها عندنا “مبرومة”)، أو أيَّ إرثٍ موروثٍ يؤول الى مُوَرِّث فوارث، لا تكون قيمتُه ماديةً (ولو أحياناً عالية) بقدْرِما هي قيمةٌ معنويةٌ عائليةٌ أو نوستالْجيّةٌ غالية. فأبعد من خيره المادي معناهُ النفسي والحنينيّ.
وهذا ما يفسِّر صعوبةَ أن يُرغَمَ مَن يبيع موروثه، قَسْراً، لتأمين دراسة أبنائه، وما يُفَسِّرُ قيمةَ من يعطي إرثاً الى ابنٍ أو ابنةٍ أو حفيدة، هبةً يَحفظها الموهوبُ من بَرَكة الواهب، لأنّ قيمتَها المعنوية أبقى من قيمةٍ مادية قد تَفْقُدُ مستواها مع الزمن.
وقد تكون الموروثاتُ سببَ خلافٍ وتفرقة (عوضَ أن تكون رابطاً بين الوارثين) حين يؤولُ الأمر الى تقسيم الإرث على الإخوة والأخوات بعد غياب صاحب الإرث.
وللإرث قيمةٌ نفسية غالية. فحين توصي جدّة بِمَبرومتها الى ابنتها أو حفيدتها، تَهبُها معها ذكرياتِها، وربما ملامح غواها وهي صبيةٌ كانت أيامها تتباهى بها، أو كانت ذكرى من عرسها أو عيد ميلادها في ذلك الزمان العتيق، فإذا بِها تُهدي هذه الذكريات الى الجيل التالي، كي يَحفظَ الجيلُ الوارثُ ذكرياتِ المورِّثِ الباقيةَ من تَذَكُّر ذلك الزمان.
إنّ في جواهر الموروثات تاريخَ حياة، رمزاً لِحقبةٍ سابقة رافقَت أيامَ مورِّثيها لتبقى مَحفوظةً في أيام وارثيها من جيل الى جيل. وإنّ فيها معاني حُبٍّ وذكرى وحنان، تنتقل الى الجيل التالي فتصبحُ لَها معاني وفاءٍ وذكرياتٍ وتكريم، وربما بعضُ الأسى على غيابٍ قاهر.
هكذا تَلْبَس الجواهر ألوانَ الحياة، جميلَها والزاهي، كما حنينِيَّها الآسي، لأنّ فيها رمزيةَ الماضي الذي ينتقل مع الحاضـر: من أحلامِ الأمس الى نوستالْجيا المستقبل.