هنري زغيب
Follow us on Facebook
Follow us on YouTube

639: “الحلوة باريس”… متى “الحلوة بيروت”؟

“الحلوة پاريس” … متى “الحلوة بيروت” ؟
السبت 20 آذار 2010
– 639 –
اليوم السبت، ككل 20 من آذار، هو “اليوم العالَمي للفرنكوفونية”، تحتفل به فرنسا والدول الفرنكوفونية في أنشطةٍ يقيم لبنان وحده 70 احتفالاً منها بين 100 احتفال في كلّ الشرق الأوسط وأفريقيا الشمالية.
معظم احتفالات الفرنكوفونية تركّز على الكتاب، وبيروت هذا العام عاصمة عالَمية للكتاب، صدر فيها وعنها عدد من الكتب التي تليق بها وبإرثها الحضاري. غير أنّ ما ينقصها بعد ليكتمل العرس: معرضٌ كبير للكتب واللوحات التي صدرت عن بيروت، يُمكن جمعُها لاحقاً في كتاب/كاتالوغ يَضُمُّ ما يكون المعرض جَمَعَ عن بيروت من ثمار القلم والريشة.
يَحفزني الى هذه الفكرة معرضٌ كانت شهدته پاريس في قصرها البلدي (بين 24/10/2008 و 28/2/2009) بعنوان “الحلوة پاريس” عن العلاقة الرائعة التي كانت بين مدينة وشاعر. المدينة هي پاريس، والشاعر هو جاك پريڤير.
كان المعرض من إعداد أوجيني باشلو پريڤير (حفيدة الشاعر) وهي تملك موادّه من مَخطوطات وأغراض ورسائل وصُوَر ووثائق، وتَملك حقوق الملكية الفكرية والأدبية لآثار هذا الشاعر الذي غاب سنة 1977 عن سبعةٍ وسبعين عاماً، تاركاً إِرْثاً شعرياً وأدبياً ومسرحياً وسينمائياً وصحافياً لم ينكشف كلُّه حتى كشَفَتْهُ حفيدتُه في هذا المعرض الكبير الذي استقطب آلافَ الرواد.
تَميَّز المعرض بإبراز العلاقة الوُثقى بين الشاعر والمدينة، منذ طفولته فيها حول حديقة اللوكسمبور الى نشوب تِمثاله فيها وسط ساحة سان جيرمان دي پري. وعاين زوّار المعرض آثار پريڤير الشعبية والفريدة من قصائد وسيناريوات ونصوص ورسائل لا تزال، بعد ثلاثة وثلاثين عاماً على غيابه، مَحطَّ اهتمام النقَّاد والدارسين والمتابعين، بِما فيها من طرافةٍ وعمقٍ وبَصْمَةٍ دامغةٍ لا تُمحى في تاريخ پاريس.
وكان لافتاً في المعرض حَيِّزٌّ خاص للمدارس والتلامذة، فيه أسئلةٌ عن سيرة الشاعر وأعماله، مَن أجاب عنها نال جائزة من بلدية پاريس، تشجيعاً للجيل الجديد على اكتشاف هذا الشاعر الكبير الذي بات تراثه جذعاً أساسياً من إرث فرنسا.
ولم يَنطَوِ المعرض عند انتهاء أشهره الخمسة، بل عمدت “دار فلاماريون” بعده مباشرةً الى إصدار كتاب “جاك پريڤير – الحلوة پاريس” وهو كاتالوغ ضخم (272 صفحة قطعاً كبيراً) عن جميع أجنحة المعرض، موثَّقٌ بصُورٍ ونصوصٍ وشهادات، ما يَجعلُهُ أثراً نادراً قَيِّماً في المكتبة، يُبقي المعرضَ الفخم مَحفوراً في ذاكرة المدينة والوطن والقراء، ويعكس المستوى الحضاري الذي يُمكن أن تبلُغَه مدينةٌ تبادل الوفاءَ شاعراً عاش فيها وغنَّاها في قصائده فارتبط شِعرُه بها وارتبطَت بأصداء شِعره. من هنا ما جاء في مقدمة الكتاب لرئيس بلدية پاريس برتران دولانُوِيه: “أقام جاك پريڤير طوال حياته علاقة تَواطُئِيّة مع پاريس: زواريبها السرّيّة وجاداتها العريضة، عمّالها، رسامي مونپارناس وشعراء سان جيرمان دي پري. واستلّ جوهر شعره من تعلُّقه بـپاريس وسكّانها”.
هكذا المدنُ الحضاريةُ تُكَرِّم كبارَها الذين ارتبط اسمُهم بِها فربَطَت باسْمِها أَسماءَهم لتَخْلُُدَ بِهم على الزمان.
ومن معرض “الحلوة پاريس” الى بيروت: تستاهل بيروت، تستاهل كثيراً أن تَشهد معرضاً لأعلامها الذين، بكتاباتهم وكُتُبِهم ولوحاتهم، غَنَّوها وأحبُّوها وكرَّموها فخَلُدُوا بِها لتَخْلُدَ بِهم.
“الحلوة باريس”؟ متى “الحلوة بيروت”؟
إذا المواطنون العاديون ينتسبون الى المدينة التي ولدوا أو عاشوا فيها، فالمدينة تنتسِب الى أعلامها الخالدين، ليكونوا في ليلِها نُجوماً تَجعل لياليها شمساً دائمةً في ذاكرة الزمان.
وليسوا قليلين، أولئك الذين غَنَّوا بيروت، الحلوةَ بيروت، مدينةً خالدةً في ذاكرة الزمان.