هنري زغيب
Follow us on Facebook
Follow us on YouTube

876: حين رئيسُ البلاد يخدم الفقراء في مطعم

الحلقة 876: حين رئيسُ البلاد يخدم الفقراء في مطعم
الأربعاء 20 كانون الثاني 2010

مساء الاثنين، (أول من أمس)، في الذكرى الحادية والثمانين لولادة مارتن لوثر كِنغ، بثّت شبكة “سي إن إن” زيارة الرئيس الأميركي باراك أوباما الى مطعم متواضع في العاصمة واشنطن، لبِسَ فيه المريول الأخضر وراح يخدم الفقراء والمحتاجين تُعاونه زوجته وبناته وحماته. وكانت تلك بادرتَه للتعبير عن المساواة بين الناس وإزالة الطبقية من بينهم، وللدلالة على قرب الحاكم من الشعب وعدمِ انزوائه في برجه العاجي خلف جدران قصره. واختار أوباما هذا العيد الوطني الأميركي (يوم مولد مارتن لوثر كنغ داعية حقوق الإنسان) للقيام بهذه البادرة الإنسانية التي كانت سَبَقتْها أخرى لدى استقباله صباحاً في البيت الأبيض مواطنين سُوداً من العمر الثالث وأحفادهم، ألقى فيهم كلمةً ركّز فيها على المساواة العرقية والطبقية وحقوق المواطنين سَوَاسيَةً بينهم جميعاً، لا يفرِّق بينهم عرقٌ ولا لونٌ ولا دينٌ ولا طائفة. وهو ما عاد فشدّد عليه أوباما مساء الاثنين نفسه خلال احتفال موسيقي تذكاري للوثر كنغ في مسرح “كيندي سنتر”.
ومن كلمة الرئيس الأميركي (نشرَتْها وكالة “أسوشياتد پْرِسْ” كاملةً) بدا حرصه على العدالة الإنسانية بين المواطنين، هو الذي كان انتخابُه، أولَ رئيس أسود في البيت الأبيض، علامةً على تطوُّر الدول في التاريخ، حين لديها رؤيةٌ تعمل عليها وتناضل من أجلها وتُحقّقها، وهذا ما عمل له مارتن لوثر كنغ واستشهد لأجله في 4 نيسان 1968 وهو على شرفة فندقه في مِمفيس (تينيسي) فيما كان يستعد لقيادة مظاهرة حاشدة للعمّال والمقهورين مطالبة بحقوق الإنسان والعدالة الاجتماعية.
تَجْمَع بين أوباما ولوثر كنغ عناصرُ مشتركةٌ غيرُ اللون والعرق، ومنها جائزة نوبل للسلام، نالها أوباما العام الماضي (2009) ونالها مارتن لوثر كنغ عام 1964 (وهو في الخامسة والثلاثين من عمره) وَحَوَّلَ يومها قيمة الجائزة (55 ألف دولار) الى صندوق حركة حقوق الإنسان في بلاده.
من هنا يتّضح أن الحاكم الضميري هو الذي يعمل على بسط مُجتمع عادل في بلاده، يرفع الظلم عن الفئات المحرومة والمحتاجة والفقيرة، كما يتَّضح أن الأنظمة التي تعتمد المبادئ والأفكار المتطرفة والعنصرية والتوتاليتارية والعرقية والفئوية والتيولوجية هي يوماً الى زوال مهما طال حكمها، ولن يبقى في التاريخ إلا الأنظمة التي تعتمد العدالة الاجتماعية وحقوق الانسان.
الى أين من هنا؟
الى القرن الرابع، الى المؤرخ اليوناني نَنُّوس الذي كتب عن بيروت هذه الكلمات البليغة: “يومَ يقبضُ الأمبراطور الروماني على صولجان العالم، سيُعطي زوس السيادة على روما، وسيُعطي بيروت الميمونة زمام القوانين، فتصبح بيروت قَيِّمةً على راحة الحياة الهنيئة وطمأنينتها، وتفرضُ العدالةَ على البرّ والبحر، تُحَصِّنَ المدنَ بسورٍ منيعٍ من القوانين، وتغدو بيروت مدينةَ الشرائع، وتستأْثر بالحكْم المطلَق على جَميع مُدُن العالم”.
نعم: هذا هو دور بيروت منذ أول التاريخ.
وهذه هي، في جوهرها، رسالةُ لبنان.