هنري زغيب
Follow us on Facebook
Follow us on YouTube

872: “واوات” الأطفال و”واوات” السياسيين

الحلقة 872: “واوات” الأطفال و”واوات” السياسيين
الأربعاء 6 كانون الثاني 2010

في دراسة لِمؤسسة “سْكْرابْل” (صاحبة اللعبة التربوية الشهيرة) أجْرتْها إنترنتياً على 300 طفل بين الرابعة والعاشرة، حول أكثر ثلاث كلمات مفضّلة لديهم، تبيّن أنها: “ماما”، و”بونبون” و”بابا”، لأن كلمة “ماما” تدلّ على لُجوئهم الى حنان الأُم الرؤوم، وكلمة “بونبون” تدل على لُجوئهم الى المتعة والانشراح، وكلمة “بابا” تدل على لُجوئهم الى المرجعية. وأكثر ثلاث كلمات لا يُحبّونها هي: “واوا”، “أوعا”، “دوا”، لأن الـ”واوا” مرتبطة بالألم، و”أُوعا” ترتبط بالمنع والزجر، و”دوا” مرتبطة بأوجاع قد ترافق انزعاجهم الصحي.
هذه الكلمات المحببة والمكروهة، تأخُذُنا الى بعض السياسيين عندنا، وثلاث كلمات يرددونها ببغاوياً هي: “التوافق”، و”معالجة العوائق”، و”إزالة رواسب الماضي”. وفيها مؤشّر واضح الى المرجعيات الثلاث نفسها التي يعود إليها الأطفال، وهي كالآتي: إذا مؤشّر الحنان لدى الأطفال هو كلمة “ماما”، فمؤشّر الحنان لدى السياسيين هو الدولة التي تحتضنهم بسعَة ورحابة، وإذا مؤشّر المتعة لدى الأطفال هو كلمة “بونبون”، فمؤشّر المتعة لدى السياسيين هو الشعب الذي أوصل هؤلاء السياسيين الى التَّرَبُّع على كراسيهم بمتعة السلطة، وإذا مؤشّر المرجعية لدى الأطفال هو كلمة “بابا” فمؤشّر المرجعية لدى السياسيين هو أسيادهم الداخليون والخارجيون الذين يسوسون مواقفهم بالريموت كونترول.
وإذا الكلمات التي يكرهها الأطفال هي “واوا”، و”أوعا”، و”دوا”، فالكلمات التي يكرهها السياسيون عندنا هي “السقوط” في الانتخابات، “الوقوع” في التهميش، و”الرجوع” عن موقف اتخذوه وأُمروا بالتراجع عنه.
هكذا يلتقي مؤشِّر الأطفال ومؤشِّر بعض السياسيين عندنا في مدلول الكلمات التي يرددونها تحبباً أو يمجّونها كرهاً.
والطريف أن يكون الجامع المشترك بين كلمات الأطفال وكلمات السياسيين هو حرف “الواو” بين “واوا”، و”أُوعا” و”دوا” لدى الأطفال، ولدى السياسيين هي “الـوقـوع” و”السقـوط” و”الرجـوع”، و”التـوافق” ومعالجة “العـوائق” وإزالة “الرواسب”.
لكن غير الطريف أبداً أنّ كلمات الأطفال تذهب مرجعياً الى الماما والبابا وتبلغ غايتها وهدفها لديهما، بينما كلمات السياسيين الى متلقّيهم هي كليشيهات عقيمة لم تعد تذهب الى مكان، ولا عادت تُقنِع ولا تَبلُغ هدفها لكثرة ما يردِّدونَها ببغاوياً بدون قصد ولا غاية ولا نيّة تنفيذ، إن هي إلا مجموع كلمات للاستهلاك أمام وسائل الصحافة والإعلام، كلمات لا تَجمع بينها إلاّ حروف “الواو”.
وبين “واوات” الأطفال و”واوات” السياسيين يكمن الفرق بين البراءة والصدق والحقيقة، وبين الزيف والببّغاويّة والمْجّانيّة في التعبير.
ولا يمكن الركون، في بناء الوطن، الى مَن يعتمدون على… الْمجّانيّة في التعبير.