هنري زغيب
Follow us on Facebook
Follow us on YouTube

854: الصوت بين المغنى والمعنى

الحلقة 854: الصوت بين المغنى والمعنى
الأربعاء 3 تشرين الثاني 2009

مع تَاَمي الأنشطة الموسيقية والغنائية عندنا من كل نوع في الآونة الأخيرة، نتذكّر أغنية “لا معنى لشيء بدون الغناء” لِمَلِكة الجاز إيلاّ فيتزجيرالد، تتحدث فيها عن الموسيقى وفعْلها في القلب والنفس والسمع، تدندنُها تمتماتٍ، وتُحرِّك بصوتها الأُعجوبي نبضات المتلقّي فيزداد إعجاباً بأدائها النادر الذي حملها الى قمة الغناء الأميركي.
هذه الـ”إيلاّ” (اشتُهرت بـ”الليدي إيلاّ” و”سيدة الغناء الأُولى”) كانت تتمتع بحنجرة فريدة، ونقاءٍ في صوتها عجيبٍ، وأداءٍ متنوّعٍ دقيق، وقدرةٍ على الارتجال التصويتي في طبقاتٍ صوتية مختلفة، وهي في راحةٍ تامة من غنائها الساحر.
هذا لنقولَ إن الأساس في الغناء هو الصوت أولاً وأخيراً. الصوت، أروعُ آلة موسيقية على الإطلاق، هو الذي يحمل في أوتاره النغم والميلوديا والجمال معاً. وأهمية إيلاّ فيتزجيرالد هي في صوتها الغنيّ وأدائها المتنوّع، لا في شكلها ولا في جمالها ولا في قوامها ولا في اغتوائها على المسرح. كان مجدُها قائماً على صوتها وحسب، من دون أية بَهرجة “ماكياجيّة”، ولا أية مؤثراتٍ صوتية مصاحبة، ولا أية فذلكاتٍ بصرية إخراجية تزيد من قيمة غنائها. حُضورُها كان ساطعاً بصوتها الرائع يملأ المسرح، لأن صوتَها هو أساسُ حضورها الآسِر، سواء في نبراتها الخفيضة أو في تلك العالية التي تعلو من دون أن تزعج، وتقوى من دون أن تخدش السمع. كان صوتُها يحمل فيه النغم والموسيقى معاً.
هذا لنقول إن عندنا كثرة مصوّتين (رجالاً ونساءً)، لا هم مغنون ولا طبعاً مطربون، يتحوّلون الى تجميل الوجه وتصفيف الشعر وتحسين القوام والجنوح الى الإغراء والتركيز على الـ”لُوْكْ” في الشعر والوجه والثياب والأحذية، وكلُّ هذا لا يشكّل حضوراً مسرحياً ولا سُطوعاً جماهيرياً إن لم يكن الصوت هو الساطع على المسرح، الصوت لا الإخراج البصري ولا الإخراج المصاحب على الخشبة بأشخاص ورقصات وديكور مبهرَج وكوريغرافيا.
الأساس هو الصوت، وهذا بات نادراً ونبحث عنه كي نذهب الى متعة الإصغاء فيعطينا رغبة التمتُّع بحنجرة ذهبية، غناءً أو ترتيلاً أو إنشاداً أو تجويداً.
الصوت هو المعنى والمغنى معاً. وجمال الصوت هو الذي يجعلنا في جنّة سمعية نقترب فيها من مجد الله.