هنري زغيب
Follow us on Facebook
Follow us on YouTube

830: من آداب مائدة الفن

الحلقة 830 : من آداب مائدة الفن
الأربعاء 12 آب 2009

بقدْرما كبيراً فرحُنا كان، ويكون، بِمتابعتنا جمهورَنا اللبناني يتنقَّل بين مدننا والمصايف والبلدات يشاهد الأعمال الغنائية والمسرحية والموسيقية في المهرجانات، أجنبيِّها والمحليّ، مالئاً مدرّجاتٍ ألفيَّةً يزخر بها لبنان هذا الصيف، وبقدْر تقديرنا هذا التشجيعَ الكبيرَ يلقاه منظِّمو المهرجانات وفنانو المهرجانات معاً، يَجْمُلُ بنا التوقُّف عند سلوكيّاتٍ وآدابٍ وتصرفاتٍ على مائدة الفنّ، أين منها، مستوى وَرُقياً، آدابُ مائدة الطعام.
فمع كون حمهورنا بات معتاداً على المهرجانات الكبرى (وبعضُه يشاهد منها في الخارج حيث الجمهور راقٍ متحضِّرٌ متمدِّنُ السلوك والأدبيّات) لا نزال نلاحظ مثالبَ عندنا يَجْدُرُ التنبيه إليها لتَلافيها والإقلاعِ عنها كي نظلَّ على مستوى الجمهور الحضاريّ الثّقيف.
من هذه المثالب مثلاً:
– الوصول المتأخر عن موعد بدء العرض ودخول الصفوف وإزعاج الجالسين المركِّزين على العرض،
– أو المغادرة قبل انتهاء العرض بِحجة الهرَب من زحمة الخروج وبلوغِ مواقف السيارات بسرعة،
– ومنها التكلُّمُ بالهاتف الخلويّ بصوت عالٍ وضحكاتٍ وقهقهاتٍ تزعج مشاهدي الجوار،
– ومنها تركُ رنين الهاتف عالياً خصوصاً في أمسيات الموسيقى الكلاسيكية أو الهادئة،
– ومنها الأحاديث الثنائية بصوت مرتفع أثناء العرض،
– ومنها الأحاديث المتواصلة طَوال العرض كأنَّ العرض ليس موجوداً،
– ومنها المشي بين الصفّ الأول والمسرح، خصوصاً في أمسيات المغني المنفرد أو الموسيقى الكلاسيكية،
– ومنها اصطحابُ الأولاد والأطفال إلى عروضٍ ليست للصغار فيضُجُّون ويَبْكون ويُفسدون على أهاليهم ومُحيط المشاهدين متعة المتابعة…
وتصرفاتٌ شاذَّة نابيةٌ أخرى تؤْذي العرض وتزعج المشاهدين المجاورين وتُحْرج منظّمي العروض، وتَجعل الانطباع العامّ بأن هؤلاء المزعجين لا يُميِّزون بين مهرجانٍ راقٍ ذي فنٍّ عالي المستوى مع فنانٍ غربيّ كبير أو مَحليّ أو عربي مرموق، وبين سهرة لَهم في مطعمٍ يستمعون إلى المغني، ولا يُصغون، بل يَأكلون ويَمرحون ويَضحكون ويُقَهْقِهُون ويدخّنون السيجارة والسيجار والأركيلة غير عابئين بِما يغنّي المغني ولا بصوته ولا بمستواه الفني.
هذا الأمر يُفسِد على عروض المهرجانات والاحتفالات مستوى المشاهدة ورُقِيَّ المتابعة، كأنما المشاهد اللبناني لا يُميّز بين مهرجانٍ ومطعم، بين كونشرتو في صالة مسرح وحفلةِ عرسٍ وتَهريجٍ في بَهو فندق.
إنّ جمهورنا اللبناني ليس بعيداً عن هذا الرقيّ، إلاّ استثناءاتٍ نعتبرها – بل نُحِبّ أن نعتبرَها – قليلةً، ليظَلَّ جُمهورُ لبنان على مستوى صيفٍ لبنانِيٍّ ناشطٍ زاخرٍ بأرقى العروض اللبنانية والعربية والغرْبية، وليبقى جُمهورُ لبنان مُميَّزاً دائماً بِرُقِيِّه اللبنانِيِّ المغاير، وبِحُسْن سُلوكه في آداب المائدة كما في آداب مائدةِ الفن وهي أرقى وأنقى وأبقى من كلّ ما عداها.