هنري زغيب
Follow us on Facebook
Follow us on YouTube

821: بين المسافات الجغرافية والمسافات الافتراضية

821: بين المسافات الجغرافية والمسافات الافتراضية
الأحد 12 تـموز 2009

أحدثُ مشروعٍ خيالِيِّ تَحقَّقَ مؤخَّراً، وصفه العلماء “مشروع القرن الحادي والعشرين”: تلسكوپ افتراضي هائل يربط نيويورك بلندن عبر نفقٍ طولُه5560 كيلومتراً تَحت الأطلسي، ليس للسيارات ولا للقطارات بل عند طرفيه تِلِسكوپ ضخم ذو 6 (سِتّ) عدَسات كبيرة، ينقل الصورة من لندن إلى نيويورك وبالعكس، بمعنى أن الناظر في عدسة لندن يشاهد الناظرَ في عدسة نيويورك عند الطرف الآخر. والتلسكوپ، مُرَكَّز في لندن عند تاور بْرِدْج، وفي نيويورك عند بروكلين بْرِدْج، يتواصل الناظرون من طرفيه بالإشارات، لأنه ينقل الصورة دون صوت، لذا سُمِّيَ “التواصل الصامت”.
كان هذا المشروع فكرةً من القرن التاسع عشر في خيال العالِم البريطاني ألكسندر ستانْهوپ سان جورج الذي وضع تصاميمَ كاملةً لنفقٍ بين لندن ونيويورك يتيح لِـمَن في المدينتين أن يرى بعضُهم بعضاً، وتَمَكَّن من تأمين تَمويلٍ لفريقين بدآ الحفر عند طرفَي النفق، لكن الصعوبات كانت أكبر من الحفر تحت المحيط الأطلسي فتوقّف المشروع. وحين اكتشف التصاميمَ حفيدُه پـول سان جورج قرّر تَحقيقَ حلم جدّه بالوسائل التقنية العصرية، من دون حفْرِ نفقٍ تَحت الأطلسي، بل بكاميراتٍ توصل الصورةَ بين طرفَي التلسكوپ الذي بات اسمه “تـلِـكْـتْـروسكوپ”.
هذا المشروع، عدا مردوده السياحيّ الكبير (في استقطابه إلى المدينتين سياحاً فُضوليين يرون أصدقاء لَهم عند الطرف الآخر) هو مشروع ذو مغزى إنسانيّ واجتماعيّ كبير. فهذا الرابط “التلسكوپـيّ” بين المدينتين يقرّب المسافة من الآخر، وتالياً يلغي التباعُد، ويوجد سِمةً من الإلفة بين الناس عبر التكنولوجيا الحديثة.
وما دام مُمكناً تَحقيقُ هذا التـلكْتروسكوپ النفَقي، فلماذا لا تقومُ مشاريعُ مُماثلة أو مُجاورة أو مشابِهة بين الدول العربية، لدافعٍ سياحيٍّ أوَّلاً، لكنها ترتدُّ إيجاباً على الوضع الإنساني والمواطنيّ، تُقَرِّبُ المسافات نفسياً واجتماعياً، فيتَحقَّقُ التقارُب السياسي، لأن تقارب الشعوب في ما بينها يؤدي إلى التقارب السياسي. ولا يَنقصُ معظمَ الدول العربية تَحقيقُ مثلِ هذه المشاريع، طالَما هي تنهدُ إلى سباقٍ مع الغرب في اتّخاذ تكنولوجيات العصر للسبْق والتفوُّق.
التقارب الحقيقي: أن تتقاربَ في ما بينها شعوبٌ تَجمع بينها ثقافة وحضارة وجغرافيا وتاريخ، شعوبٌ في حاجةٍ إلى أن تتعارفَ أكثر في شتى المجالات فتتبادلَ مداركَها ومهاراتِها، وتَغْنى على الصعيد الفردي والشخصي والمجتمعي، شعوبٌ متقاربة تَجعل المسافاتِ الجغرافيةَ البعيدة مسافاتٍ افتراضيةً قريبة، يسهُلُ اجتيازُها عند بلوغ التقارب الفكريّ والإنسانيّ.
المسافات الجغرافية تباعد، والمسافات الافتراضية تقرّب. فليكُنِ الافتراضيُّ طريقاً إلى تقريب الواقعيّ.