هنري زغيب
Follow us on Facebook
Follow us on YouTube

811: اليوم اليوم وليس الأمس

الحلقة 811: اليوم اليوم وليس الأمس
الأحد 7 حزيران 2009

… وأخيراً وصلْنا اليوم إلى اليوم المنتظَر، إلى يوم الاستحقاق، إلى 7 حزيران الذي كلَّف المواطنين اللبنانيين متابعةَ حَملاتٍ متشجنّة مسعورة شتَّامة متوتِّرة موتورة شخصية شخصانية، كما لم يشهد لبنان في زمنه الوسيط والحديث.
فاللافتات التي ملأت الأجواء والشوارع والنواصي والسّطوح والحيطان لم تكتفِ بالإعلان عن أصحابها، بل تَخطَّت إلى تَمييز جنساني وفئوي وطبقي فاحش، ولم تكتف بالعربية واللبنانية بل تخطت إلى اللغات الأجنبية للتعبير عن غمزٍ أو لَمز.
فمن لافتةٍ استخدمت امرأة حسناء ذاتَ نظارتين ولباسٍ على الموضة بعبارة “كوني جميلةً وانتخبي”، إلى لافتة مقابلة تُجيبها بعبارة “كوني سويةً وانتخبي”، كأن الانتخابات تعني الصبايا الجميلات وحسب، والثَّريّات وحسب، دون الأقل جمالاً والمتوسطات الحال والعاملات، وفي هذا تمييز مُهينٌ سافرٌ غير مقبول. فالانتخاب واجبٌ وطنيّ، وهو حقٌّ لكل مواطن في التعبير عن رأيه أياً تكن ظروفُه الحياتية والاجتماعية، ولا يَجوز لِحملة انتخابية أن تتوجَّه إلى النخبة فقط دون سائر الناس، ولا أن تتعرَّض لِحقوق الإنسان في هذا الشكل النافر بالتفرقة بين الجمال والبشاعة، بين الفقر والغنى، بين طبقة من الناس دون أخرى.
فيا “بيت بو سياسة”: المساواةُ لا تكون بالشعارات بل بالبرامج. فَمَن منكم أعطى “المواطنين الأحبّاء” برنامَجاً يُعنى بِحقوق المرأة والمعوّقين والأطفال والمسنّين والضمان الاجتماعي؟ أين حقوقُ الإنسان في هذه الغابة الموحشة من الشعارات؟ أيُّ مرشَّح طرح حقَّ المعوّقين بالعمل في الحياة العامة؟ أيُّ مرشّح طرح برامج أو حلولاً للمزارع والتاجر والصناعي والطالب والعامل وربّة المنْزل؟ أيُّ مرشَّح تنبَّه إلى معضلات إنسانية واجتماعية وثقافية وصحية يواجهها المواطن اللبناني يومياً في بيئته ومنطقته وبيته ومدرسته وجامعته ومركز عمله ومُحيطه؟
الفائزون من المرشَّحين اليوم هم غداً مشرِّعون في “ساحة النجمة”. فكم واحداً بينهم واعٍ أولوياتِ تشريعاتٍ على المجلس العتيد أن يوليها اهتمامه لتسريع شؤون المواطنين؟ كم مرشحاً، خلال هذه الحملة الانتخابية الطويلة المضنية المملة، اهتمَّ بغير “الپوانتاج” الانتخابي، وبعدد الأصوات التي ينالها، وكيف “يشلّح” خصمه أصواتاً، وكيف يُمارس ترغيب أو ترهيب المفاتيح الانتخابية وذوي الأصوات، وكيف يزيد عيار الشتائم والتُّهم والافتراءات والحملات المزوّرة، وكيف يستخدم جميع الوسائل المتاحة من تلفزيونات وإذاعات ومنابر وصحف ومواقع إلكترونية لتمرير إشاعة أو لاختراع استفتاء شعبي مزوَّر؟
“كلمات كلمات كلمات” يصرخ المواطن اللبناني المنتظِر بلوغ هذا النهار اليوم. والمقترعون واحد من ثلاثة: فردٌ في قطيع أغنام منساقٍ وراء هذا أو ذاك من “بيت بو سياسة” ويتأثر باللافتات والحملات الانتخابية ويصدّقها بسذاجة تأثيرية، وكيديٌّ يؤيّد هذا نكايةً بذاك ويتحمّس للحملات الانتخابية المعاكسة، ومواطنٌ واعٍ مؤمنٌ عقلانياً لا ببّغاوياً بكل اسم في الورقة ويُقبل على صندوقة الاقتراع بقناعةٍ لم تتأثر بلافتة تَحريضية على أحد، أو لافتة تَمييزية بين امرأة جميلة وأخرى قبيحة، بين امراة غنية وأُخرى فقيرة، بين كتابة عربية أو لبنانية وأخرى أجنبية.
غداً، الاثنين، يومٌ آخر. والمواطن الواعي، فيما يُمسك اليوم وراء العازل بورقة الاقتراع، فلْيؤسِّس منذ اليوم لغدٍ واعٍ لا يتأثَّر بِحَمْلة كلماتٍ كيدية، ولا بشعاراتٍ مسعورة، بل فلْيفكّر ثواني وهو يقول: “اليومَ اليومَ، وليس الأمس، على ورقتي الوطنية يتعلّق مصيرُ وطني: لبنان اللبناني لبنانياً إلى الأبد.