هنري زغيب
Follow us on Facebook
Follow us on YouTube

806: الفن والسياسة بين إبداع للحياة واقتلاع من الحياة

الحلقة 806: الفن والسياسة بين إبداعٍ للحياة واقتلاعٍ من الحياة
الأربعاء 20 أيَّـار 2009

لم يعُد جديداً أنّ المجتمع المدنِيّ في لبنان ناشطٌ أكثر من الدولة التي غالباً ما تقصِّر عن مبادرة، بسبب روتينٍ إداري، أو عائقٍ ماديّ، أو حواجزَ لوجستية أو وظيفية. لذا حقّق المجتمع المدنِيّ اللبنانِيّ إنجازات ما كانت لتحقِّقها الدولة، عكس بلدان تنشط فيها الدولة وتتولّى هي تنفيذَها وتَحقيقَها فلا يـبادر المجتمع المدنِيّ إلى نشاط مُماثل.
ويُسعِد في المجتمع المدنِيّ اللبنانِيّ توجُّهُهُ نحو جمع الفن إلى العمل الإنساني، فيلتقي القطبان: الإبداع والخير، ويكون أحدُهما في خدمة الآخر. وما الفنّ ورسالتُه، إن لم يكن في خدمة الإنسان ورفاه الإنسان وحياة الإنسان؟!
آخر الحاصل في هذا الاتجاه: توَجُّهٌ إلى إحلال البسمةِ مكان العبسة، والفرحِ مكان الحزن، وتَخفيف الآلام مكان مؤاساة المريض. وهو ما عاينّاه الأُسبوع الماضي، بِحالة غبطةٍ جميلة، في أوديتوريوم فندق البستان مع أنامل عبدالرحمن الباشا وعبقريّته العزفيّة، في برنامَج جاء من فرنسا ليقدّمه إلى جمهور كثيفٍ ذهب ريعُ بطاقاته لدعم علاج مرضى السرطان في “مركز مستشفى المقاصد للأمراض السرطانية”. وأكثر: كان الاحتفال تحت شعار “إبداع للحياة”، وما أنبلَ ما في هذه العبارة من تعامُلٍ مع الإبداع في خدمة الإنسان، ترجَمَهُ فعلياً تأليفُ عبدالرحمن الباشا مقطوعةً خاصة لهذه الغاية الإنسانية النبيلة.
والأُسبوع الماضي كذلك، أعلَنَت جمعية “طفولة” التي تعنى بالأطفال اللبنانيين المرضى بالسرطان، عن بادرةٍ قدّمها لها مصمِّمَا الأزياء اللبنانيان ربيع كيروز وزهير مراد بتزيين مَجموعة غرفٍ في بعض مستشفيات بيروت برسومٍ جميلة وأَلوان فرحة جعلت غرفة المستشفى زوغة ألوان ومشاهد ومناظر، ونقلا ذوقهما وخبرتهما في تصميم الأزياء إلى رسومٍ وتصاميمَ على الجدران، تأخذ الأطفال السرطانيين في رحلةٍ افتراضية خيالية مُمتعة، فيشعُرون كأنهم هم يصمِّمون الأزياء بقطعٍ مرسومة على الجدار، وبأكسسواراتٍ في الغرفة وأشكالٍ وألوانٍ ورسومٍ ولوحاتٍ ومناظرَ تجعل الطفل لا ينفر من المجيء إلى المستشفى للعلاج، فتصبح غرفة المستشفى أكثرَ متعةً من غرفته في البيت ذات اللون الواحد والجوّ القاتِم الكئيب. وهذا أيضاً “إبداع للحياة” وإعادةُ طعم الحياة إلى من فقدوه وانزلقوا إلى اليأْس والإحباط.
هكذا تبرز الصدمةُ التبايُنيّة بين فنانين مبدعين في خدمة قضايا الشعب يقدِّمون للمجتمع خدمةً باسم الإبداع فيخفِّفون الحزن والآلام، وسياسيين يَزيدون الحزن والآلام على الشعب بتصاريحهم ومواقفهم وتناقضاتهم و”توك شُواتِهم” المتصارعة المتلاطمة المتلاكمة، وعنترياتِهم وتَحريضاتِهم وشخصياتِهم الموتورة دائماً، المتَوتِّرة دائماً، الموتِّرة دائماً.
هنا “إبداعٌ للحياة” بتوقيع فنانين مبدعين، وهنا “اقتلاع من الحياة” بتوقيع سياسيين متهافتين على السلطة.
وتبقى الكلمة الفصل في 7 حزيران، شرط أن يعي شعبُنا الفرقَ بين مَن يعمل لتجميل الحياة ومن يعمل لتعكير الحياة.