هنري زغيب
Follow us on Facebook
Follow us on YouTube

802: احترامُ الغائب هامداً… يعادل احترامه حاضراً حياً

الحلقة 802: احترامُ الغائب هامداً… يعادل احترامه حاضراً حياً
الأربعاء 6 أيار 2009

تَصدُفُ أنّ اليومَ ذكرى الشهداء. شهداء أيار 1916 الذين علّقهم السفَّاح جمال باشا على المشانق في الساحة التي أصبحَت بعدهم “ساحة الشهداء”، وظلَّت طويلاً بعدهم “ساحة الشهداء” حتى انفجر فيها الغضب قبل أربع سنوات فاشتعلَت “ساحة الحرية” اندلعت تظاهراتٍ نادَت بلبنانيَّة لبنان.
تصدف أن اليومَ ذكرى الشهداء، ويكادُ لبنان، في روزنامته اليومية، تتحوَّل أيامُه في معظمها ذكرى شهداء.
الشهداء، المقدَّسو الذكْر والذكرى والاستذكار، لَهم علينا انحناءةُ الاحترام لذكْرهم وذكراهُم واستذكارهِم.
قبل أسابيع، أمَرَ الرئيس الأميركي أوباما برفع الحظر عن استقبال جثامين الشهداء في نعوش مقفلة وإبعاد المصوّرين، وسمح باستقبال الجثامين في نعوش مفتوحة، وسَمح للمصورين بالتقاط الصوَر والأفلام، احتراماً لجثمان الشهيد الذي سقط في ساحة الشرف، وتقديراً لوداعه كما يجب أن يكون الوداع، وكما يليق بالشهيد أن يكون له استقبال.
وعلّل الرئيس الأميركي قراره بأنّ “للشهداء علينا حرمةً تفرض علينا أن نستقبلهم باحترام، ونودّعهم باحترام، فلا نستقبلُهم عظاماً في توابيت، ولا نواريهم في السر كما توارى الجثث المجهولة”.
وفي هذا القرار تحيةٌ عالية للجثمان، وصاحبِ الجثمان، وذكراه التي هي شرفٌ للوطن الذي يسقط فيه شهيد من أجل ترابه، والدفاع عن ترابه ضد عدوٍّ مُجاور، أو ضدّ من قرَّر وطنُه أن يطردَه من أرض السوى.
هذا في الولايات المتحدة: الدولةُ منعَت والدولة سمحَت. الدولة عرفَت كيف تكرّم الجثامين والشهداء، وكيف، إذ يرى المواطنون شهداءهم، يتَّعظون ويعتَبرون ويقدِّرون أكثر ثَمن الحرب، وارتِجال الحرب، أو دخولَ الحرب، أو تَلَقّي الحرب.
الجثمان رسالة. شهيداً كان صاحبُه أو قتيلاً.
فلنعرفْ كيف نتعاملُ مع الجثمان، ولا نُمثِّل به كما تفعلُ الطيور الكاسرة التي لا تفرِّق بين جثة قتيل وجثمان شهيد.
في يوم الشهداء اليوم، شهداء الصحافة والقلم الذي ظلَّ يكتب بالحبر حتى نَقَّطَ حبرُه دماً حين اغتالَت صاحبَه الْمُشرِقَ يدُ الظَّلامية، شهداءِ 6 أيّار وكلّ 6 أيّار يوميّ في مفكرة التاريخ اللبناني الحديث، فلْنحترمِ الشهداء، كبارَهم والمجهولين، ولا نُمَثِّلْ بِهم في غيابِهم، ولا في أضرحتهم المهيبة الجليلة، ولا نستخدمنَّهم موضوعَ حديث أو تصريح أو حجّة، إنّ لنا فيهم رسالةً نَحتاجها كي نكمل الطريق إلى خلاص الوطن.
وكما يَحذَر الناسُ الطيور الكاسرة التي تُمثّل بالجثث وتقتات منها، فلْنحذَرِ الطيورَ الكاسرة التي تُمثِّل بالأضرحة والشهداء، حتى نكون فعلاً نستاهلُ شهداءَ سقطوا لكي ينهضَ لبنان.