هنري زغيب
Follow us on Facebook
Follow us on YouTube

796: متى وقفُ التدخين في الإدارات العامة؟

الحلقة 796: متى وَقْفُ التدخين في الإدارات العامة؟
الأحد 12 نيسان 2009

بعد قرار وزيرَي الداخلية والسياحة بِوَقْف الموسيقى الصاخبة في ساعةٍ مُحدَّدة من الليل، وإقفال البارات والحانات بين الأحياء السكنية في ساعة مُحدَّدة أخرى، يبقى قرار هامٌّ ننتظر العملَ على إصداره في حزْم وحسْم وعزْم، هو الذي يَمنع التدخين في الدوائر الرسمية والإدارات العامة التي تستقبل يومياً مئات المواطنين المراجعين الذين يدخلون بيت الدولة فيجدونَه يعُجُّ بغابةٍ من الدخان وسُحُبٍ كثيفةٍ من النيكوتين تَجعل المواطن يَختنقُ وهو ينتظر انتهاءَ معاملاته.
لا يَجوز ألاّ يلحقَ لبنان بدولٍ حضارية منعَت التدخين في قاعات الإدارات الرسمية، بعدما منعَت التدخين في قاعات الأماكن العامة والمطاعم والفنادق والصالات المقفلة، رحمةً بالذين لا يدخِّنون ولا يريدون أن يتنشَّقوا دخان الذين يدخِّنون.
كما لا يَجوز أن يدخلَ المواطنُ عندنا دائرةً رسمية فيجدَ الموظف راتعاً وراء مكتبه، سيجارتُه في فمه أو بين إصبعَيه أو على الطاولة أمامه، ودخانُها ينفُثُ سُمومَه في فضاء الغرفة بينما المواطنُ واقفٌ يتنشّق الدخان من سيجارةِ موظفٍ لا يُقيم حُرمةً للمواطن، وهو أصلاً في وظيفته ليكونَ في خدمة المواطنين واحترامهم.
لا نقول هذا الكلام تَهَجُّماً على الموظَّفين المدخِّنين. لَهُم حريَّتُهم الشخصية وحقوقُهم التي يَحميها لهم القانون، إنّما شرط ألاّ تتعدّى حريتُهم الشخصية على حرّية الآخرين غير المدخّنين.
فَهِمْنا أن نَحتمل المدخّنين في المطاعم والمقاهي وقاعاتٍ خاصة تعُجُّ بغيوم النيكوتين والدخان ورائحةٍ تتغلغلُ في الشَعر والثياب فتثيرُ غثيانَ مَن لا يدخّنون، وتضطرُّهم الى أن يغادروا أو يبتعِدوا عن هذا الجو الموبوء بالسرطان الصامت. لكنَّ من لا يدخّنون لا يُمكنُهم مغادرة قاعات الإدارات الرسمية حين لَهُم فيها حاجاتٌ ومراجعاتٌ ومعاملاتٌ مضطرُّون – لإنْجازها- أن يَحتملوا موظّفاً يستقبلُهم بسيجارةٍ في فمِه أو في يدِه أو على منفضة طاولته.
قرارُ منع التدخين في الإدارات والأماكن العامة والجلسات الرسمية، بات ضرورياً لسببين:
– الأول دَرْءاً لِما في السيجارة من ضررٍ على مُدخّنيها وعلى غير مدخِّنيها الذين يتلقَّون ضرَرها كالمدخّنين،
– والسبب الآخر ألاّ يبقى لبنان بين دولٍ لا تُعير احتراماً لِحقوق غير المدخنين. فحين نسافر الى دول العالم الحضارية، لا نَجد موظَّفاً يستقبل المواطنين حاملاً سيجارته في مكتبه، ولا شرطياً يدخِّن في الشارع خلال ساعات الخدمة وهو يوجّه سَير المواطنين، ولا نَجد مسؤولاً يستقبل المواطنين وفي فمه سيجارٌ أطول من صبر المواطنين.
إن سِعرَ علبة الدخان في لبنان زهيدٌ، وفي متناول الجميع (بِما فيهم الفتيان والشبان ذوو الدخل المحدود). وإذا كانت الدولة تبحث عن ضرائبَ إضافيةٍ، فلماذا لا تفرضُها على ما لا يُضِرُّ بالمواطن بل ينفَع صحته، فتحذو حذوَ دولٍ حضاريةٍ تُرهق مواطنيها بالضريبة على عُلَب السجائر فيرتفع سعرها بِما لا يَحتمله الجميع في متناولِهم، وتَمنع بيعَها في الدكاكين والدساكر إلاّ بإبراز الهوية للتأكد من السنّ، وبذلك تكون الدولة أصابت مغنمَين:
تصعيبَ حصول المواطنين على عُلَب السجائر،
وتَحصيلَ ضرائبَ جديدةٍ لا يتكبَّدُها جميع المواطنين بل يدفَعُها المصرُّون على التدخين.
ندخِّن أو لا ندخِّن؟ ليست هي المسألة، بل المسألة أن نكون في وطنٍ يَحترم حقوقُ غيرِ المدخنين الذي لا يُريدون مَجَّ السيجارة من فمهم الى صدرهم، ولا يريدون – حتماً لا يريدون – تَنَشُّقَ سُمومِها الى صدرهم من أفواه الآخرين.