هنري زغيب
Follow us on Facebook
Follow us on YouTube

791: النوم الهانئ في “بيروت التي لا تنام”

الحلقة 791: النوم الْهَانِئ في “بيروت التي لا تنام”
الأربعاء 25 آذار 2009

سَرَت في التداول منذ الاثنين (أول من أمس) لافتاتٌ طريفةٌ تنتشر بين المواطنين حاملةً عبارات: “خلّيهُن نايْمين تَ نضلّ سهرانين”، و”جيران نايمين=جيران مبسوطين”، للدلالة على ما وصلت إليه الحال في أحياء سكنيةٍ من بيروت هَجَّت وضَجَّت وعَجَّت مؤخراً من حالة لَم تعُد تطاق، بسبب ساهرين متأخرين في حالات سُكرٍ أو صِياحٍ أو ضحكاتٍ عاليةٍ تُقلِق راحة سكان الحي، وتَحرمُهم عميق النوم وهناءة الاستلقاء والاسترخاء والراحة.
هكذا تشكّلت إشكالية في ثلاث حالات:
1) الأولى: موقفُ الدولة الحازمُ الناظمُ إجرائياً بقرار وزيرَي الداخلية والسياحة توقيتَ وقْف الموسيقى وموعدَ الإقفال (مراعاةً لِحقوقِ المواطنين وأمنِهم وإبعادِ إقلاق الراحة عنهم).
2) الثانية: موقف أصحاب المطاعم والملاهي المطالبين بالبقاء وقتاً أطْوَل مساهمةً منهم في إنعاش الأحياء والمناطق وتحريك الدورة السياحية والاقتصادية في “بيروت التي لا تنام” عبر استثماراتِهم وإيْجادِهم فُرَصَ عمل لشبابٍ لم يهاجروا.
3) الثالثة: موقف أَهالي الحيّ الفاهمين حزمَ الدولة وسهَرَها، المتفهِّمين موردَ رزقِ أصحابِ المطاعم والملاهي إنما يريدون أن يعيشوا حياةً طبيعية في أحيائهم بإيْجادِ مواقفَ لسياراتِهم، وتَمضيتِهم سهراتٍ هادئةً وإخلادِهم الى نوم مريح.
هذا “التوسُّعُ البرِّيُّ” للاستثمارات والإحراجات والإزعاجات، بتسبُّبِهِ في خرق حاد لقوانين السياحة، دفع جمعياتٍ مَحليةً (من السكّان وأصحابِ المطاعم معاً) للتَّحَرُّك سعياً الى تنظيم عادل يراعي الطرفين وترعاه الدولة. إنما الدولة هنا لا تعود مُمثَّلةً بوزير يصدر القرار ليست مهمّته متابعةَ تنفيذه تفصيلياً وشخصياً، بل ليتحوّل القرار الى المحافظين والقائمّقامين والبلديّات لتنفيذِه بِموجب بُنودِه، ومراعاةً لِحقوق المواطن، من خلال تنظيماتٍ سياحية وتربوية وتنموية واجتماعية ومدينية.
وهنا دور البلديات في ترجمة تلك التنظيمات لدى المجتمع المدني المحلي بلامركزية ذات رؤية اقتصادية تنموية وفق أولويات وطنية تُحدِّدها الدولة وتنفِّذُ أسُسَها السلطاتُ المحلية فلا يكون “التوسُّعُ البرِّيُّ” على حساب السكان، ولا تقضم الدولة حقوق المستثمرين، ولا تفقدُ الدولة هيبتَها في عيون السكان والمستثمرين معاً، فتكون الدولةَ الحاضنة والحازمة معاً، وينعمُ الجميع بِحمايتِها وعدْلِها.
عندها تصلُ الجميعَ حقوقُهم، فينام أهل الحي، ويسهر الساهرون في انتظام وأخلاق، ويؤدي عناصر الدولة واجباتِهم بتنظيم السير في الحي، ومنع التجاوزات والمخالفات، وضبط الأمن والهدوء، ويصحُّ ما جاء في لافتات هذا الأسبوع: “خلّيهُن نايْمين تَ نضلّ سهرانين”، و”جيران نايمين = جيران مبسوطين”.
وعندها تكون فعلاً “بيروت لا تنام”، إنّما ينام فيها مَن يَنشُدُ الراحةَ الهانئة وأحلامَ النوم الزهرية الجميلة.