هنري زغيب
Follow us on Facebook
Follow us on YouTube

790: واجبُ الدولة… وحقوق المواطن

الحلقة 790: واجبُ الدولة… وحقوقُ المواطن
الأحد 22 آذار 2009

من منطق الدولة الحازمة، الحاضنة والناظمة (حلقة الأربعاء الماضي) نُكمل الى النظام والانتظام المطلوبَين من الدولة واجباً عليها قبل أن تَطلُب واجبات المواطنين تِجاهها. ففاقدُ العلْم لا يُحاسَب على جهله، ولا يُمكن الدولة أن تُحاسبَ وتعاقبَ قبل أن تُنَبِّهَ سلفاً وتُحذِّرَ وتُرشِدَ وتُشيرَ الى العقوبة المترتّبة على المواطن عند مُخالفتِه تعليماتِها المسْبَقَةَ الواضِحة.
التعليمات من الدولة موجَّهَةٌ الى جميع المواطنين بلا استثناء، تدلُّهم على حقوقهم وواجباتِهم معاً، تعطيهم وتأخذُ منهم، تدُلُّهُم على الطريق ثم تُعاقِبُهم إذا شذُّوا عن الطريق. فأين عندنا تعليماتُ الدولة للمواطنين لافتاتٍ وإعلاماً وإشاراتٍ وإشعاراتٍ وإعلاناتٍ في الأماكن العامة والنواصي والشوارع والأحياء وفي كل مكان عامّ يَؤُمُّهُ المواطنون؟
أين تنبيهُها إياهم الى عدم رمي النُّفايات في الشارع؟ وتنبيهُها إياهم بعدم قذفِها الى البحر وشاطئُه يعُج بالسابِحين ربيعاً وصيفاً؟ أين تَحذيرُها إياهُم في الشوارع من توسيخ الأرصفة بِجميع الوقاحات مِما في يدهم أو في سيارتِهم أو من حيواناتِهم الأليفة؟ وأين تَحذيرها إياهم من ارتكاباتٍ تكلّف الدولة مبالغ باهظة لرفعها لاحقاً أو إصلاحها أو ترميمِها أو إزالتِها؟
تُنفق الدولة أحياناً مليارات الليرات لإصلاح عمليات تَخريب أو تَهديم أو أذيّة أو إهمال، عوض أن تستبق تلك العمليات بتنبيهٍ وتَحذيرٍ وإرشادِ المواطنين سَلفاً إلى ما يترتَّب عليهم من عقوبات إذا ارتكبوا تلك المخالفات والأعمال.
دور الدولة أن تَحتضن المواطنين، أن تُحاورَهم، أن ترعاهُم، أن تُنَشِّئَهم على تربية مدنية، أن تنبِّهَهُم لا الى المخالفات وحسب (فبعضُها بديهيٌّ وليس في حاجة الى تنبيه) وإنما الى نوع العقوبات إذا ارتكبوا تلك المخالفات.
هذا هو دور الدولة الحاضنة قبل أن تكون حازمة، وهذا هو دورها الناظم قبل أن تعاقِبَ من لا ينتظم، وهذا هو المطلوبُ منها كي يَحترم المواطنون هيبَتَها قبل أن يكرهوها لأنّ بينها وبينهم وادياً من الانتقام والغربة وانقطاع التواصل.
السلوك المدني مطلوب من المواطنين؟ صحيح. لكنه قبلذاك مطلوبٌ من الدولة التي تُخطِّط وتنفِّذ وتنظِّم وتفرِض وتوعّي وتوجِّه الى السلوك، وبعدها تُحاسب وتَحزُم وتَجزُم وتعاقب.
إن دولةً تغيبُ توجيهاتُها عن أعين المواطنين وأَسماعهم، هي دولةٌ فاقدةٌ شرعيةَ الْهَيبة في عيون مواطنيها، وتالياً لا تقطفُ من مواطنيها سوى الاحتقار والعصيان، وهيهاتِ هيهاتِ عندها أن ينتظمَ الوطن.