هنري زغيب
Follow us on Facebook
Follow us on YouTube

769: مهندس الأبراج… عقله في الأبراج

الحلقة 769: مهندس الأبراج… عقْلُهُ في الأبراج
الأربعاء 7 كانون الثاني 2009

ما دخلتُ المكتبة، قبل ظهر أمس، حتى تلقَّفَني صديقي المهندس حائراً: “لا أعرفُ أَيَّها أَختار. هل تنصحُني”؟
ورأى في نِظْرتي أنني لم أفهم، فانفلش في حيرةٍ نفرَت من صوتِه وعينيه وملامح وجهه، أنّه مسكونٌ بِهاجس الأبراج، وجاء يَختار أفضل كتابٍ عن الأبراج صدر مع بداية العام الجديد. فهو ينصاعُ للأبراج، يعيش على ما تقوله الأبراج، يؤمن بِما تُخبِّئُه له الأبراج، ولا يتحرَّكُ إلاّ وَفْق ما ترشده الأبراج، وبدأ منذ ليلة رأْس السنة يتناول الحبوبَ المهدِّئةَ الأعصاب بعدما أصغى إلى خبراء الأبراج ليلتَها، ورأى أنّ أمامه سنة 2009 أياماً ليست مؤاتية، فأصابَه انْهيارٌ لَم يُشْفَ منه بعد، ويلتجئ إلى كتاب الأبراج الجديد كي يتأكّد ويطمئنّ.
التفَتُّ إلى رفّ تلك المكتبة الكبرى فانْهالت أمامي كتُبٌ كثيرةٌ لأبراج 2009، وكلُّ واحدٍ يَعِدُ على غلافه أنه الأصح والأصدق والأعرف. وأنا لستُ “مثقَّفاً” في هذا الشأن، ومَجهولاتي فيه واسعةٌ لعدم اقتناعي به، بالإذن من آلاف الآلاف مِمّن يؤْمنون به ويسيرون على هدْيه، ومنهم صديقي المهندسُ الذي يُهندسُ أبنيةَ الناس أبراجاً عاليةً في بيروت، ولم يستطع أن يُهندسَ عقله ليقتنع بأن العِلْم الذي يهندس به أبراجَ الناس أمتنُ وقعاً من أبراج الأفلاك.
وكنتُ أعرف أنّ صديقي المهندس يتلقَّف الجريدة صباحَ كلّ يوم ليفتح صفحة الفلكي، ويتابع البرامج الإذاعية عن الأبراج، ويستشير أحياناً بعض المُبَصِّرين كي يستطلعَ ويفهمَ ويراقب، ويَحرصُ في حلقات الأصدقاء على إقناعهم بتأثير الأبراج، وكيف “تَصْدُقُ” معه، رغم أنف الذين يقولون أنْ “كذِبَ المنجِّمون ولو صَدَقُوا”.
وغيرَ مرةٍ حاولتُ إقناعه أنّ الإنسان صنيعة ما يعمل، وأن الإنسان، إلى حدٍّ كبير، يسيِّر قدره ولا ينصاع له. لكنّه لا يريد أن يناقش، ولا أن يعرف، ولا أن يفهم، بل ينام ويصحو ويعيش على ما “تقولُه” لَه الأبراج.
و…لأنني أعرف صديقي المهندس وأعرف أنْ لن أُفيدَه بنصيحتي إياه أيَّ كتابِ أبراجٍ يَختار بين مَجموع المنبسِطةِ أمامي من تلك الكتب، اعتذرتُ منه مفضِّلاً أَن أَظلَّ أُهندِسُ صداقتي معه ، ولا أخرّبَها بسبب أنه، وهو المهندس، لَم يستطعْ أن يُهندسَ عقله خارجَ ما تُملي عليه… هندسةُ الأبراج.