هنري زغيب
Follow us on Facebook
Follow us on YouTube

768: حرارةُ الأعياد عن قُرب… وبرودة المعايدات عن بُعْد

الحلقة 768: حرارةُ الأعياد عن قُرْب… وبُرودةُ المعايدات عن بُعْد
الأحد 4 كانون الثاني 2009

في غمرة الأعياد التي نعيشُها وهذا الطوفان من أَساليب المعايدات، نتذكّر حرارة المعايدات في الماضي بإزاء برودة المعايدات اليوم.
في الماضي كان العيد مناخاً دافئاً من الزيارات والتهاني الشخصية والتقاليد الشعبية والعادات البيتية، فيجتمعُ الناس في بيوتهم ويلتئمُ شَمل العائلة، أو في ساحات بلداتهم يتبادلون المعايدات، فتكون للعيد حرارته البشرية ولمسته الإنسانية.
كلُّ هذا غاب اليوم بعدما زالت عن العيد حرارتُه البشرية ولَمْسَتُهُ الإنسانية، وباتت المعايداتُ ميكانيكيةً باردةً جامدة جافة معظمُها عن بُعد، بكلّ ما في البُعد من انتفاءِ كلِّ دفءٍ وحرارةٍ وإنسان. فالمعايداتُ اليوم باتت توكَل إلى شركاتٍ ترسِل العبارةَ نفسها إلى مئاتِ الهواتف الخلوية، أو تسجيلاتٍ صوتيةً على الهاتف الخلوي أو هاتف المنْزل، أو رسائلَ إلكترونيةً بالإنترنت (ثابتةً أو متحركة)، أو بطاقاتٍ تقليديةً بالبريد، أو بطاقاتٍ عائدةً لِجمعياتٍ أو مؤسساتٍ أو شركاتٍ تِجارية تُسَوّق لبضاعتها أو لاسْمها (بالصور والعبارات المتشابهة)، أو معايداتٍ صوتيةً على أثير الإذاعات أو كتابيةً تدور في أسفل شاشة الفضائيات، أو صحونَ شوكولا أو باقاتِ زهر أو زجاجاتِ نبيذٍ يسلّمُها على الباب موظَّفٌ أو أجير، أو اتصالاً هاتفياً “رفعَ عتَب” يتمنّى العيد بالعبارات نفسها ليُجيبَه الآخر بعبارات الجواب نفسها من دون حرارة ولا نبضة خاصة.
هذه الصورةُ النمطية (“الستيريوتيپية”) غيرُ الشخصية للمعايدات (على ما فيها من حُسْن نيّة في الاتصال بالآخر) تَزيد من إغراق شعبنا في سهولةِ مُجتمعٍ استهلاكيٍّ “يُـتَـجْـرِنُ” كلَّ شيء، ويُسَطّح كلَّ بادرة، حتى العواطفَ والمعايدات، وتَجعلُنا نَحِنُّ إلى أيامِ كنا ننتظرُ العيد كي نَقصدَ ونزور، في اتصالٍ حارٍّ مباشَرٍ يُعيدُ ربطَ الأواصر ويُمتّنُ جوهرَ العلاقات.
وما دمنا سائرين في هذا المجتمع الاستهلاكي، فَـبُرودةُ الاتصال ستَزيد، وحرارةُ الإنسان للإنسان ستظَلّ تتناقَصُ حتى يُصبحَ العيدُ في النهاية نَسْياً مَنسياً لا تُذَكِّرُ به إلا الإعلاناتُ التجارية عن مَحالّ الألبسة والهدايا و”المولات”، وعن الفنادق والمقاهي والمطاعم التي تقدِّم أحدث الأغاني مع صحون البطاطا والدجاج المشوي و…”أفخر أنواع السَّلَطات”.