هنري زغيب
Follow us on Facebook
Follow us on YouTube

747: رأيتُ في القاهرة

الحلقة 747: رأيتُ في القاهرة
لـيوم الأربعاء 22 تشرين الأول 2008
القاهرة

عند شفير الشُّرفة العالية المطِلَّة على هَيبَة النيل، كان سفير لبنان الى مصر الصديق الدكتور خالد زيادة يدلُّني على معالم القاهرة المنبسطة حولنا، وتوقَّف عند جبل المقطم الجاثم أمامنا في البعيد، رابضاً على التاريخ مُشْرِفاً على القاهرة الألفية الحضارة.
وإذا كان “المقطم” يعني لسواي جبلاً ذا علُوٍ وتفاصيلَ جغرافيةٍ، وربما تاريخية، فهو يعني لي لبنان بشخصَي يعقوب صرُّوف وفارس نِمر، مؤسِّسَي “المقطّم” و”المقتطَف” رائدَي الصحافة المصرية. ومعهما انْهَمَلَت الى بالي أسماءُ لبنانيين روّادٍ ا جاؤوا الى هنا، الى القاهرة، أيامَ كان لبنان (في القرن التاسع عشر) يَرزح تَحت بطش السلطنة العثمانية الطاغية على الحريات، فوجدوا في مصر أفقاً لَهم طرَّزوه بإنتاجهم الأدبي والصحافي والفني. هكذا حملوا من لبنانِهم ذاكرتَهم وطموحاتِهم وجاؤوا الى هنا، الى القاهرة، يَشعّون بِضَوءِ لبنانِهم، فكان منهم سليم وبشارة تقلا مؤسِّسَا “الأهرام” (رمز الصحافة المصرية على الإطلاق حتى اليوم)، ومُحرِّرون كبار لـ”الأهرام” (مثل ابن زوق مكايل حبيب جاماتي، وابن يَحشوش داود بركات، وابن عشقوت نسيب وهيبة الخازن)، وكان منهم أنطون الجميِّل (مُنشِئ “الزهور”)، وكانت منهم مي زيادة الرائدةُ الطليعية، وكان منهم جرجي زيدان منشئُ “الهلال” وصائغُ روايات التاريخ الإسلامي، وكان منهم خليل مطران الذي وَسَمُوه “شاعر القطرين لبنان ومصر”، وكان منهم كثيرون آخرون يضيق بذكرهم المجالُ الآن، جاؤوا الى ديار مصر، الى القاهرة والإسكندرية، فأضاؤُوا لبنانَهم في أعمالِهم، وسَجَّلت لهم مصرُ هذا الضوء لأنّهُم وفَّوها الوفاءَ ولَم يَجحدوا استقبالَها إياهم وفَتْحَها قلْبَها لإنتاجهم.
ولَم تكن مصرُ بَخيلةً في ردّ الوفاء، فها شاعرُها الأمير يعترف:
لبنان والخلْدُ: اختـراعُ الله لم يـنعَـم بــأجملَ منهُما ملكوتُهُ
وها شاعرُ نِيلِها حافظ ابرهيم يَسِمُ اللبنانيين بِـ”مغامري العصر”:
ما عابَهم أنّهم في الأرض قد نُشِروا فالشُّهْبُ منشورةٌ مذ كانت الشُّهُبُ
رادُوا المناهل في الدُّنيا، ولو وَجَدوا الى الْمَجَرَّةِ رَكْباً صـاعداً، رَكِبُوا
ولأديب مصر الكبير طه حسين أكثرُ من حديثٍ ونَصٍّ ومَقالٍ عن لبنان الذي كان يزورُهُ صيفاً ويكتب فيه. وفي الفنّ المصري العالي كذلك ضوءُ وفاءٍ من مصرَ الى لبنان، كاعتبار محمد عبدالوهاب أيامَهُ في لبنان بين الأجْمل في حياته.
فجأَةً يَندَهُني صديقي السفير خالد زيادة من تَحديقي في المقطَّم وَتَغَلْغُلي في تاريخ لبنانيِّينا المبارَكين الى أرض مصر، فأَدخُلُ عن الشرفة مع السفير الى دارتِه وضيوفِه، وفي بالي أبياتُ وَفِيٍّ آخرَ، جارِ مِصر من السودان، محمد الفيتوري الذي تألَّق من منبر بيروت نَهار مهرجان الأخطل الصغير قبل أربعين عاماً، في 27 كانون الأول 1969، يوم قال:
أنتَ في لبنان !!! والشِعرُ له في رُبى لبنانَ عرش ومُقامُ
شـادهُ الأخطل قصراً عالياً يَزْلُقُ الضوءُ عليه والغمامُ
أنـتَ في لبنان، والخلْدُ هنا والرجال العبقريُّون أَقاموا
حَملوا الكون على راحتهم وَرَعَـوا غربتَهُ وهو غُلامُ
زرَعُوا الحب فلَمّا أثْمر الحبُّ أهـدَوهُ الى الناس وهاموا
شـعراءً، ومُغَنّين، وأحلى أغانيهم على الدنيا السلامُ