هنري زغيب
Follow us on Facebook
Follow us on YouTube

717: ياسمين صوتها منسكباً على الورق

الحلقة 717: ياسَمين صوتِها منسكباً على الورق
الأربعاء 9 تموز 2008

بِخَفَرِ الصبيّة الكَتوم كَتَبَتْهُ، بقلق الكاتبة الطَموح دفعتْهُ إلى الطبع، بأَرَقِ الأُم الوَلود انتظرتْهُ يُطلُّ كامل الخَلْق والخُلُق، وبفرحٍ من تواضُع البنفسج تدعونا إلى الاحتفال بعرس الكتاب، غداً بين السادسة والتاسعة في حديقة سرسق، لتنفرط إلى أعيننا وريقاتُ الياسَمين، فتنفتحَ الصفحات، ويأْرَجَ العبق.
هذه السيّدةُ وراء ميكروفون الإذاعة، القابضةُ على نواصي الحوار، المتمكّنةُ من إحراجٍ وإخراجٍ أمام أيِّ ضيفٍ، العاليةُ الاحترام والتهذيب أمام أَيِّ ضيف، هيَ الـيَتَهَيَّبُ جِلْسَتَها الإذاعيةَ أَيُّ ضيف، عجبتُ لَها كيف، لكتابِها نصاً وطباعةً وصدوراً، استحالت هكذا على خفرٍ وقلقٍ وأرقٍ وفرحٍ سَوسَنِيِّ البراءة.
أَهي لَحظة التَّهَيُّب لكل خلاّقٍ في الدقيقة الأُولى من الوِقفة الأُولى لكل مُناسبةٍ أُولى؟
أهو الشعور المسؤول أمام كل جديدٍ يَحرص عليه منشِئُه فيحميه، بقلقه وخوفه وأرقه، من كل شائبة؟
“هذا صوتي”، قالتْها بكل بساطة، كأنها انفصلت عن صوتِها لتتركَه يندلقُ قارورةَ عطرٍ على مساحة الورق. هي التي انفتحت لَها مساحات الأثير من “صوت لبنان” إلى كل لبنان، وإنترنِتِيّاً إلى كل العالَم، حين ضاقت أمامها المساحةُ إلى صفحة كتاب، تَهيَّبت الضيقَ الثابت الدائم الأوسع من أثيرٍ عابرٍ هارب، فأحسَّت أن صفحةَ الكتاب أوسعُ من رحابة المدى الإذاعي.
تَهيَّبت، بِمسؤولية من تَحرص على كلمتها مقروءةً، حرصَها المهذَّب على صوتِها مسموعاً.
“هذا صوتي”، وكرجت من بين أناملها قصةُ حياةٍ، منذ هي طفلةٌ في شارع مونو، حتى مَن هي اليوم غيرُ بعيدةٍ عن شارع مونو، في مَملكة الإذاعة، تُطلُّ من “صوت لبنان” مرةً في “صالون السبت” فيصبح صالونُها حديث الناس ومثار الصحف، ويُطلُّ الأحد فترُشُّ عليه بَخور “المجالس بالأمانات” ويغدو مَجلسُها أمانة الأحاديث، لبراعة ما تعرف أن تأخذَ ضيفَها إلى المباح، هو الـيَكون جاءها ببعض ما لديه، وظنُّهُ أنْ سيُبقي البعض الآخر غير مُتاح.
“هذا صوتي”، عنوان كتابها الأول. غير أنْ ليس من الباكورة إلاّ تاريخ الصدور، أما الصدر في الداخل، فَدَورقٌ من ذكرياتٍ نَسَجَتْها بعفوية السوسن حين يأرج، أو بطلاقة أوراق الياسمين حين تُهرهِر نَغْوى في حضن عصفورٍ عاشقٍ حرموا ياسمينته من الطيران إليه، فطلّق الطيران وأتى هو إليها.
هكذا هي. طلّقَت طيرانَ الأثير الوسيع الوسيع، وجاءت إلى ياسمين الورق، تبوح له بِحكاياتٍ، ذكرياتٍ، الماحاتٍ من تَجربتها الإذاعية، فإذا بِها، من دون أن تدري، تؤرّخ مرحلةً من لبنانَ ربعِ القرن الماضي، لا بِمنطق التأريخ بل بعفوية التذَكُّر.
“هذا صوتي”، كتابُها الباكورة. لم تُؤَسْلِبْ نصَّها. لم تُجمّلْه. لم تَدَّعِ أنّها في صياغة الأدب، ولا حتى في النسيج الصحافي. حَملَت من ذاكرتِها الملوَّنةِ باقةَ لُمَح، وهرهرتْها على الورق أوراق ياسمين، بعفوية الأرج، وطلاقة البَواح.
وغداً موعد العرس. بين السادسة والتاسعة في حديقة سرسق، سيكون عرسٌ، ويكون احتفالٌ، ومع توقيعها على كل نسخة، ستستقبل ضيوفها كما قبل ولادة الكتاب: بِخَفَرِ الصبيّة الكَتوم، وقلق الكاتبة الطَموح، وأَرَقِ الأُم الوَلود، وفرحٍ من تواضُع البنفسج صاغته، من بين ورد لبنان، وردةٌ خرجَت من الطفولة، لتصبح “وردة صوت لبنان” فيبتهجَ بِها وردُ لبنان.
يــا “وردة”، يا وردة الوردات، لم نستطع أن نَحبس صوتكِ الهارب، لكننا سنحبس كلماتِكِ صوتاً على الورق، يضوعُ في مكتباتنا نقاءً من سَوسَنٍ وياسَمين.