هنري زغيب
Follow us on Facebook
Follow us on YouTube

703: إذا ما اتّفقتو… ما تِرْجَعو

الحلقة 703: إذا ما اتّفقتو… ما تِرْجَعُو
(الأربعاء 21 أيار 2008)

أبلغُ ما طالعَنا من شعاراتٍ ويافطاتٍ ولافتاتٍ في الآونة الأخيرة، عبارةٌ رفَعَها المُعَوَّقون على طريق المطار قبل أيام، في تشييع “بيت بو سياسة” المهرولين إلى الدوحة. والعبارة هي: “إذا ما اتّفَقْتو… ما تِرْجَعُو”.
موجِعةٌ هذه العبارة، وبليغةٌ وجارحةٌ وعاكسةٌ ما في قلوب المواطنين من غضبٍ وقرفٍ ولعنةٍ على طقم سياسي أخذوه بالأمسِ إلى سان كلو في فرنسا، وأمسِ إلى الدوحة في قطر، وفي كل مرةٍ تَجمعُهم الطائرة ويَجمعُهم الباص ويَجمعهم الفندق، وتَجمعُهم صوَرٌ في الصحف والتلفزيونات مبتسمين متصافحين متحدِّثين متحادثين، ثُم بَعْدَ اجتماعاتِهم يعودون فيخْتلفون ولا يتخالَفون، يصرِّحون ولا يتصارَحون، ينْقلبون ولا يقْتَبلون، ينْفعلون ولا يفْعلون، وفي هذه الأثناء جميعاً ينتظر الشعب أن يعودوا بالحلِّ فإذا بِهم مثلما راحوا يعودون.
وها هم في الدوحة أيضاً أداروا ظهورَهُهم إلى الوطن وراحوا، تاركين وراءَهم شعباً طيِّباً ينتظرهم يتَّفقون، فلا يتَّفقون، شعباً ينهار اقتصاده وهم لا يتَّفقون، شعباً يتهجَّر دماغه وهم لا يتَّفقون، شعباً يتفتّت لديه الأمل والانتظار وهم لا يتَّفقون، شعباً يريد الخلاص من هذا الموت البطيء، وهم لا يتَّفقون، وعلى مقعد وزاري إضافيٍّ يتناحرون، وعلى تقسيم دائرة انتخابية يَختلفون، والشعب صابرٌ ناطرٌ يكفُر بِهم، وهم لا يزالون يؤمنون بأنّهم من أجل الشعب والوطن يعملون.
لا يذكر تاريخ لبنان أنّ الشعب بلغَ، من كُرْه السياسيين والغضب عليهم، ما بلغه في الآونة الأخيرة، من سياسيين باتوا على الصفحات الأولى من الصحافة العالَمية، وفي مقدمات نشرات الأخبار العالَمية، يظهرون للعالَم منْشَقِّين بين عنيدين ومُعاندين، بين مكايدين وكَيديين، بين قَلْبيّين ومتقلّبين، بين مطلَبِيّين ومُطالبين، بين مَن يُظهرون أجندةً يلتزمون بِها ومَن يُخفون أجندةً كلّما ظهر منها بنْدٌ خَفِيَ بندٌ آخَر، بين مَن ينتظر إشارةً من هنا، ومن ينتظر الريموت كونترول من هناك، ومن يسوِّفُ ويُماطل ويراوغ من هنالك، وينقلب اليوم على ما قاله أمس.
كلُّ هذا، والشعب ينتظر. كلُّ هذا، والذين غادروا إلى الخارج ينتظرون نتيجة حوار “بيت بو سياسة” حتى يقرِّروا العودة إلى الوطن. كلُّ هذا واللبنانيون العائشون في الخارج يفقدون تدريجياً أمل العودة إلى وطنهم المصلوب على جلجلة سياسيين يقودون سفينة الوطن، ويقتتلون على دفة القيادة ويكاد يفلت منهم جميعاً دولاب الدفة وتغرق السفينة بِهم وبِجميع مَن فيها، فيهرع المخْلصون والبعيدون والقريبون من أشقاء وأصدقاء لإنقاذ الوطن المصلوب وجَمْع صالبيه معاً لعلّهم يتَّفقون، فإذا بِهم لا يتَّفقون.
كلُّ هذا، والشعب ينتظر. ولأجل كلّ هذا، نسي الناس جميع شعارات الحرب والسلم، وجميع يافطات المتظاهرين المنقادين قطعاناً عمياء وراء زعمائهم، ليبقى شعارٌ واحدٌ على طريق المطار، شعارٌ بليغٌ موجعٌ مُحزنٌ غاضبٌ ثائرٌ قرفانُ من “بيت بو سياسة”، شعارٌ في تشييع طقمٍ سياسيٍّ لَم يستطع الجلوس في قاعة لبنانية فأخذوه إلى قاعةٍ بعيدة في فندقٍ بعيد.
والعبارة لَم يطْلِقها متظاهرون، ولا معيّشو زعيمٍ، ولا مهيِّصون لسياسيّ، بل مُقْعَدون اختصروا غضب الناس في تلك العبارة.
والعبارة هي: “إذا ما اتَّفَقْتو… ما تِرْجَعو”.