هنري زغيب
Follow us on Facebook
Follow us on YouTube

698: مئة متر عند مار متر

الحلقة 698: مئة متر عند مار متر
(الأحد 4 أيار 2008)

بعد انتهاء الأوتوستراد بين معهد الحكمة وأوتيل ديو، انفتح شريان واسع أنقذ المواطنين من زحمة سيرٍ خانقةٍ كانت تقضُم وقتهم وعمرهم وأعصابهم ليجتازوا في الأشرفية تلك المسافة التي لا تتعدّى الكيلومترين.
غير أن المواطنين عادوا من جديدٍ يُحرقون وقتهم وعمرهم وأعصابهم على هذا الأوتوستراد، في المسافة القصيرة الممتدّة من معهد الحكمة الى جسر الأشرفية، وهي مسافة لا تتعدّى المئة متر، فيتجمَّد المواطنون في سياراتهم، صعوداً من معهد الحكمة، أو نزولاً من تحت جسر الأشرفية.
والسبب: وجودُ مُجمّع تِجاري كبير في أسفل الشارع، ومُجمّع تِجاري كبير آخر في أعلى الشارع، وخضوعُ الداخلين الى كلٍّ من هذين الْمُجَمّعين للتفتيش الإلكتروني البطيء، وفتْحِ مقدِّمةِ السيارة وصندوقِها، ما يكلّف كلَّ سيارةٍ وقوفاً ثلاثَ دقائقَ على الأقل، فيما يتكدّس السير صعوداً خلف كلِّ سيارة في صفٍّ طويل طويل منذ أسفل الشارع عند معهد الحكمة من جهة، والى ازدحام السير في أعلاه نزولاً في صفٍّ طويل طويل منذ مبنى “صوت لبنان”، ما يجعل اجتياز هذه المسافة القصيرة، أحياناً، أكثرَ من ساعة بلهاء بدون جدوى، ساعةٍ كُلُّها حَرْقُ أعصابٍ وحَرْقُ وقتٍ وحَرْقُ عمْر.
والأنكى من ذلك أنّ معظم الْمحبوسين في غابة السيارات هذه، نزولاً أو صعوداً، عابرون في الشارع ولا ينوون الدخول الى أحد الْمجَمَّعَين التجاريَّين، لكنّ الداخلين إليهما يَسدُّون الطريق على الآخرين فيتساوى الداخلون الى الْمُجمَّعَين مع غير الداخلين، وتنقضي المواعيد، ويتأخر الموظفون، ويتأخر كلُّ وصولٍ الى نقطة الوصول.
وإذا كنا نفهم الاحتراز الذي اضطُرّ الْمُجمَّعَين التجاريين الى اتخاذ هذه الاجراءات والتدابير الأمنية الوقائية، بعد موجة تفجير السيارات المفخخة، فإننا لا نفهم ظاهرتين: الأُولى وقاحةُ بعض السائقين في عدم التزام خطهم الى يسار الطريق حين هم لا يقصُدون أياً من الْمُجمَّعَين التجاريين، والظاهرةُ الأُخرى غياب عدد كافٍ من شرطة السير في أعلى الشارع وأَسفله لتسهيل مرور العابرين غير القاصدين الدخول الى أحد ذينك الْمُجمَّعين.
وبين وقاحة سائقٍ أرعنَ وقحٍ غيرِ مسؤول، وغياب عناصر إضافية من شرطة السير لتنظيم السير، يُمضي المواطن مئة متر عند مار متر دقائقَ طويلةً بلهاءَ مطّاطةً لا تنتهي، وانسحاباً على ذلك عند معظم التقاطعات في المدينة حيث يُمضي المواطن ساعاتٍ طويلةً بلهاءَ مطاطةً لاجتياز مسافات قصيرة، تسُدُّ الطريقَ فيها رعونةُ سائقٍ وقح، أو غيابُ شرطي سيرٍ، حتى في حضوره أحياناً، عن تسيير السير كما يجب، ما يَجعل السير في شوارع بيروت عذاباً يومياً يقضم العمر والساعات والأعصاب.