هنري زغيب
Follow us on Facebook
Follow us on YouTube

692: جبران المتواصل في الزمان

الحلقة 692: جبران المتواصل في الزمان
الأربعاء 9 نيسان 2008

غداً، الخميس، 10 نيسان، تكون مرّت سبعٌ وسبعون سنة على غيابه عن صومعته المعزولة في نيويورك، لا ليغيب في النسيان بل ليبدأ في الوجدان، خالداً كلَّ يومٍ أكثر من أَيِّ يوم.
غريبٌ خلودُهُ، هذا الـجبرانُ الذي كلما تقادم الزمان ازدادَ إشراقاً ونضارةً وخلوداً، وازدادت المطابع إصداراً مؤلفاتِهِ طبعةً بعد طبعة، لغةً بعد لغة، بلاداً بعد بلاد، كأنما قدَرُ عبقريته ألاّ تغيبَ كتاباتُه عن أَية بقعة من بقاع العالم.
غريبٌ خلودُهُ، هذا الذي تُوفِّيَ ذات يوم (في العاشر من نيسان) ولا يزال يولدُ كل يوم. ومع ولادته كلّ يوم، يولدُ لبنانُ معه كل يوم، وطنُ هذا العبقري الذي صرخ في وجه حكَّام وطنه قبل ثلاثة أَرباع القرن: “لكُم لبنانُكم ولي لبناني”.
غريبٌ خلودُهُ هذا الذي، من صومعته المعزولة في نيويورك،لم تَغِبْ يوماً عن عينيه ملامحُ بشرّي وهَيْبَةُ غابة الأرز وجلال وادي قاديشا، وادي قنوبين، الوادي الذي، بعمقه الذي تعانقه جبالُه وتعنو عليه، لم يغِب عن خلفية لوحات جبران، المعروضةِ بإتقانٍ في متحف جبران الذي يضم لوحاتِه ومَخطوطاتِه وآثارَه وغرفةَ نومه والسكونَ الذي كم يشبه كلماته البليغة.
الأحد الماضي، زرتُ المتحف في بشرّي، ووقفتُ على شفا وادي قاديشا، فاسترجعتُ صوت جبران سنة 1920، وهو في مُحترفه/الصومعة، يرسم وجه صديقه ميخائيل نعيمة ويقول له: “أُمنيتي يا ميشا أن أزور وادي قاديشا قبل أن أموت”. ولم يتسَنَّ له ذلك قبل أن يَموت، فعاد إلى وادي قاديشا (قبل سبعةٍ وسبعين عاماً، في آب 1931) إنّما مطفأَ النور في عينيه، ليرقد في دير مار سركيس رقْدته الأخيرة. لَم يَرَ الوادي بعينيه، لكنه أرانا إياه في لوحاته التي لا تزال تنبض بأهداب ريشته، غَمَسها في ذكريات عينيه طفلاً ويافعاً وشاباً، وراح يرسم قاديشا وادياً وجبالاً وأخضرَ نضِراً من ملامح أرز لبنان.
في دول العالم من المانيا مؤسسة موزعة على العالَم هي “معهد غوته” على اسم شاعر ألمانيا العظيم، وفي دول العالَم من إيطاليا مؤسسة موزعة على العالَم على اسم دانته، شاعر إيطاليا العظيم، وفي دول العالَم مؤسسات ثقافية كبرى موزّعةٌ على العالَم تحمل أسماء عباقرة تلك الدول موزَّعةً على دول العالَم تخليداً لمبدعيها، من بوشكين إلى موزار إلى بيتهوفن إلى سائر العباقرة، فكيف يُمكن ألاّ يكون للبنان مؤسسة ثقافية رسمية على اسم جبران، حكوميةٌ تتوزّع على العالم حاملةً اسم جبران، هو السابِقُنا إلى جميع دول العالم، فيكون للبنان الرسمي “معهد جبران” في دول العالم، كما في دول العالم مؤسسة رسمية من ألمانيا باسم “معهد غوته”، ومن إيطاليا باسم “معهد دانته”، فيكون للبنان معهد على اسم جبران الذي في حياته زرع لبنان على هُدب ريشته ولسان قلمه، ومنذ غاب (في مثل غدٍ الخميس 10 نيسان) ما زال يزرع لبنان في العالم، مع كل إشراقة شمس يولد من جديد، ومع كل صفحة جديدة من طبعة جديدة لكتبه في بلاد جديدة، يتجدَّد ذكره الخالد، ويتجدَّد معه وجه لبنان!