هنري زغيب
Follow us on Facebook
Follow us on YouTube

678: بناء الدولة لا يبدأ بهدم الشوارع

الحلقة 678: بناء الدولة لا يـبدأ بِـهدم الشوارع
(الأربعاء 20 شباط 2008)

اتصل بها ابنها من باريس. كان ينوي المجيء إلى زيارتها للاحتفاء بعيد ميلاده معها بعد غياب أربع سنواتٍ عن لبنان، لكنه عدل عن المجيء بعدما رأى زواريب بيروت مسرحاً للاقتتال.
واتصلت بأخيها من الدانمارك، معتذرةً عن المجيء إلى بيروت في هذه الحالة بعدما رأت مشاهد الضرب بالعصيّ والحجارة وإحراق الدواليب في الشوارع وتكسير سيارات المواطنين، فغيّرت رأيها بعنفٍ وغضب وقالت لأخيها إنها لن تعود إلى لبنان لوقتٍ طويل كي لا يرى أولادها الوطن الذي لا تنفك تحدثهم عنه بأنه وطنها الذي تريد أن تعرّفهم إليه كي يُحبوه.
هذا عدا مئات رسائل إلكترونية تقاطرت إلى الأهل والأصدقاء من كل العالم، يستهجن أصحابُها أن تتحوَّل شوارع بيروت أدغالاً برّية فالتة متوحشة يتضارب فيها الشباب المسعورون في انتقامٍ حقود، في غريزة حيوانيةٍ أشرس من شريعة الغاب.
وكلُّ هذا من أجل ماذا؟ كلُّ هذا من أجل من؟ من أجل زعماء سياسيين يقفون على المنابر يُلقون الخُطَب التحريضية، يزرعون الكلمات الكيدية، يرشّون الحقد والانقسامات والتهديدات والعراضات الكلامية، فتكون ترجمةُ خُطَبِهم العنترية تكسيرَ سيارات الناس في الشوارع، وتكسيرَ واجهات المحالّ والبيوت، وإحراقَ الدواليب وزرعَ الرعب في القلوب، في كل لبنان، وفي العالم عبر شاشاتِ فضائياتٍ تروح تتسابق وتتنافس بتَمرير شريط في أسفل الشاشة ينقل الخبر تلو الخبر، لحظةً بلحظة، عن الاقتتال بالحجارة والعصيّ في شوارع بيروت.
ولا يعود ينفع بعدها، أن يتبرَّأ السياسيون مِما يجري، ومِمّن يثيرون الشغب، فيتنصَّلون منهم ويصرّحون بأن هؤلاء عناصر غير منضبطة لا تَمُتّ إلى حزبهم ولا إلى تكتلهم ولا إلى جماعاتهم ولا إلى أزلامهم ولا إلى مَحاسيبهم.
إذاً: مَن هُم هؤلاء المشاغبون؟ من هو هذا الـ”راجح” الخفي الذي يأتي فيخرّب ويُحرق ويُكسِّر ويَذهب تَحت جنح الليل، لا يعرفه أحد، ولا يعلن مسؤوليته عنه أحد، ولولا حزمُ جيشنا الرائع، لَسَالَ في شوارع بيروت نَهرُ دماء.
هل هذه بيروت؟ هل هذا لبنان؟ هكذا تنقل الفضائيات إلى العالم صورة لبنان الذي بات يشحد من العالم مساعداتٍ ودولاً مانِحةً وهباتٍ وودائعَ كأننا دولة منكوبة أو دولة متخلّفة أو دولة مكسورة تبحث عمّن ينقذها ويشتريها!
أإلى هذا الحد أوصلنا “بيت بو سياسة” في لبنان؟ نعم إلى هذا الحدّ. والى هذا الحدّ وصل الغضبُ بأبنائنا المهاجرين في العالم حين يسألهم مواطنوهم هناك، في البلدان حيث هم، عن هذا اللبنان الذي بات ساحة للضرب بالعصيّ والحجارة وإحراق الدواليب وتكسير الواجهات، ترجمةً لكلامٍ مسعور سَمعه شبابٌ قطعان من أسيادهم “بيت بو سياسة”.
بعد كل هذا: فلْيَخرس كلُّ سياسيٍّ يدّعي العمل على بناء الدولة حين يبدأ في السماح لأزلامه ومَحاسيبه وقطعانه بِهدم الشوارع وتكسير السيارات وإحراق الدواليب.