هنري زغيب
Follow us on Facebook
Follow us on YouTube

673: التصفيق الأعمى للشخص… والتصفيق الواعي للوطني

الحلقة 673: التصفيق الأعمى للشخص… والتصفيق الواعي للوطن
(الأربعاء 30 كانون الثاني 2008)

حَمَلَتْ إلينا أخبارُ أمس، الثلثاء، خِطاب “حال الأمّة”، ألقاه الرئيس الأميركي جورج بوش على عادة ما يفعل الرؤساء الأميركيون في مثل هذا الوقت من السنة.
وأيّاً يكن رأيُنا في ما قاله جورج بوش، أو في مواقفه منّا ومن سوانا، أو رأيُنا فيه على رأس القوّة العظمى الوحيدة التي تتحكّم بدول هذا العالَم، وخصوصاً الصغرى منها، كدولتنا في لبنان، فإنّ ما يلفتُ في تغطية الخبر أنّ الجمهوريين في القاعة صفّقوا مراراً للرئيس (وهذا طبيعي، فهو من حزبِهم)، لكنّ الديمقراطيين أيضاً (وهُم من الحزب المناوئ الرئيس)، صفّقوا غير مرة كذلك، حين كان الرئيس (الجمهوري) يَذكُرُ الشعب الأميركي، أو الجيش الأميركي، أو الأمَّة الأميركية. وهذا يعني أن رجل السياسة في أميركا – جمهورياً كان أم ديمقراطياً – يقدِّم أوَّلاً ولاءه للوطن وشعب الوطن وجيش الوطن وكرامة الوطن، ولا يصفّق لزعيمٍ في الوطن أو لحزبٍ في الوطن أو لتيّار في الوطن.
هكذا رجل السياسة المسؤول: يقدّم الولاء للوطن على الولاء للشخص. والأميركي، صحافياً كان أم مسؤولاً أم مواطناً عادياً، يهاجم الرئيس الأميركي شخصياً، ولا يُمكن أن يهاجم الشعب الأميركي أو الجيش الأميركي أو الوطن الأميركي أو الكرامة الأميركية. والأمر كذلك في العديد من الدول الحضارية، عُظْماها أو صُغْراها.
إلى أين من هنا؟
إلى عندنا في لبنان، حيث رجلُ السياسة شخصيّ، شخصاني، استشخاصي، متشخِّص، يقدّم الولاء لِذَاته “العظمى” (النَيرونيّة النرسيسيّة الأنانيّة الوقحة) على ولائه للبنان وجيش لبنان وشعب لبنان وكرامة لبنان.
وعلى صورة هذا السياسي (الشخصيّ الشخصانِيّ الأنانِيّ النرسيسيّ النيرونِيّ)، كذلك ردْحٌ من مَحاسيبه وأزلامه و”قُطعانه”، يُعَيِّشون اسْمَه، ويهيّصون باسْمه، ويَحملون يافطاته وشعاراته وبيارقه “يُهَوْبِرُون” بِها في الشوارع، ويعلّقون يافطاته فوق شوارع بيوتِهم، وصورَه على شرفات بيوتِهم، ويقدّمون ولاءهم له على ولائهم للبنان الوطن والشعب.
وإلى أن يصبحَ الولاء للبنان الوطن والدولة، قبل الولاء للشخص أو للمذهب أو للطائفة أو للحزب، سيظلُّ عندنا في لبنان مَجموعُ قطعانٍ من الناس لن يستاهلوا أن تكون لَهُم دولة، ولا يستاهلون أن يكون لهم وطن، ولا يستحقّون أن يكونوا أبناء لبنان.